أحداث قبل وفاة النبي بخمسة أيام:
وفي يوم الأربعاء والذي كان قبل خمسة أيام من وفاة سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، اتقدت ( اشتدت) حرارة العلة (مرض مجهول الأصل أو السَّبب ) في بدن النّبي (جسمه)، فاشتد وزاد به الوجع وغمي النّبي ( فَقَدَ الحِسَّ وَالْوَعْيَ بِالأَشْيَاءِ )، فقال النّبي عليه الصلاة والسلام: “هريقوا علي سبع قرب من آبار شتّى، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم”.
فأقعدوا النّبي الكريم في مخضب ( الإِجّانة تُغسَل فيها الثياب، وفي الحديث: أَنّه قال في مرضه الذي مات فيه: حديث شريف أَجلسوني في مِخْضَب فاغسلوني )، وصبّوا على النّبي الكريم الماء، حتى طَفِقَ النّبي عليه الصلاة والسلام يقول: “حسبكم، حسبكم”.
وبعد ذلك أحسّ وشَعَرَ النّبي عليه الصلاة والسلام بخفة ( خفّة في التحمل ورَشَاقَةُ في الحَرَكَة)، فدخل عليه الصلاة والسلام المسجد، وكان خير الخلق معصوب الرأس، حتى أنّه جلس على منبره، وأخذ يَخطُبُ في الناس، وكان الناس ملتفون ومجتمعون حول النّبي، فقال النّبي محمد عليه الصلاة والسلام:
“لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” وفي رواية أخرى “قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”، وقال خير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم: “لا تتخذوا قبري وثناً يعبد”.
وعرض سيد العالمين محمد صلى الله عليه وسلم نفسه للقصاص، فقال خير البشر: “من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه”.
وبعد ذلك نزل خير الخلق من على المنبر وصلى صلاة الظّهر، ومن ثمّ رجع النّبي عليه الصلاة والسلام وجلس على منبره، ومن ثمّ عاد النّبي لمقالته الأولى في الشحناء وحتى أنّه غيرها، فقال أَحَدُ الرجال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ لي عندك ثلاثة دراهم، فقال خير الخلق: أعطه يا فضل”، وبعد ذلك أوصى عليه الصلاة والسلام بالأنصار فقال:
“أوصيكم بالأنصار، فإنّهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» وفي رواية أخرى أنّ النبي قال: «إنّ الناس يكثرون، وتقل الأنصار، حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم”.
ثمّ قال النّبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إنّ عبداً خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده”، عندها قال أبو سعيد الخدري: فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، وقال أيضاً: “فديناك بابائنا وأمهاتنا فعجبنا له، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بابائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا” .
ثمَّ بعد ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ من آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنّ أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين نفي المسجد باب إلّا سد، إلّا باب أبي بكر”.