هناك مَن تخلّق بأخلاق النبي _صلّى الله عليه وسلّم_ وكان محل ثقة للآخرين في بلده، وهو ملجأ الكثير من الناس في لحفظ أماناتهم، لذلك قد يصدف وأن يودع أكثر من شخص أموالهم عند شخصٍ واحدٍ، فهل يترتب على ذلك أحكام خاصة؟ هذا ما سنتحدّث عنه في هذا المقال بإذن الله تعالى.
أحكام إيداع اثنين عند واحد:
إذا قام شخصان بإيداع وديعة عند شخص واحد، وبعدها قام أحدهما بطلب ردّ ما له من حصة من الوديعة، فإن كانت الوديعة من الأموال التي يمكن قسمتها، وكان الوديع يعرف حق كل واحد من المودعين (حصته معلومة)، على الوديع هنا الرجوع إلى القضاء، وإن حصل على موافقة في القسمة، يقوم بذلك ولا ضرر على أحد من المودعين أو الوديع؛ لأنّ القاعدة في القسمة التراضي أولى من التقاضي.
وفي حال تمّ الاتفاق بين المودعين والوديع عند إنشاء العقد، على أن يتم تسليم الوديعة لأيّ واحد من المودعين يحضر ليستلمها، فهذا مباح ويُعتبر تصرّف بموافقة الغائب والنيابة عنه.
وبعكس هذه الصورة يمكن إيداع شخص واحد ماله عند وديعين اثنين، وتم قبول الوديعة من قِبل الاثنين، فيقع عليهما وجوب الحفظ، فإذا كانت الوديعة قابلة للقسمة، يتم اقتسامها بين الوديعين وكل واحد منهم يحتفظ بما يأخذ من المال، ولا ضمان على أحد في حال الهلاك أو التلف، إلّا بثبوت تعدي أحدهم أو تقصيره؛ لأنّ المودع أودع ماله عند الاثنين بموافقته.
أما إذا كانت الوديعة مالاً لا يمكن قسمته، يتم الاحتفاظ به من قِبل الوديعين عن طريق المهايأة، والتي تعني الاتفاق على التناوب في تقديم المنفعة، ويكون التناوب هنا بتقديم منفعة حفظ المال، ولا ضمان دون ثبوت التعدّي أو التقصير، فصاحب المال أودع ماله عند الاثنين متأكّداً من عدم قدرتهما على الاجتماع خلال مدة الاحتفاظ بالوديعة، وبالمهايأة يتم ترك المال عند أحد الوديعين، خلال فترة محدّدة ويتم نقله للآخر عندما يحين وقت دوره في حفظ الأمانة.
ونلاحظ أنه مهما اختلفت الأحكام في الوديعة، تبقى الغاية منها الحفاظ على المال، وعدم التعدي عليه أو التقصير في الاعتناء به، وهذا للتأكيد على إيجاد خُلق الأمانة عند المسلمين، وبيان أهمية حفظ الحقوق وتحمّل المسؤوليات.