أخنوخ في النصوص الدينية:
أولاً: أخنوخ في العهد القديم “التوراة”:
لقد ورد ذكر نسب أخنوخ في العهد القديم في سفر التكوين في الإصحاح الخامس الفقرات من 18-25 منه، حيث جاء فيه ما يلي:
وعاش يارد بعد ما ولد أخنوخ ثماني مئة سنة، وولد بنين وبنات، فكانت كل أيام يارد تسع مئة واثنتين وستين سنة ومات، وعاش أخنوخ خمساً وستين سنة وولد متوشالح، وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ثلاث مئة سنة، وولد بنين وبنات، فكانت كل أيام أخنوخ مع الله ولم يوجد؛ لأن الله أخذه، وعاش متوشالح مئة وسبعاً وثمانين سنة، وولد لامك. ويُلاحظ لفظ التوراة “الله أخذه” قال الشراح اليهود: أي إلى السماء، وهي تقابل تأويل المسلمين برفعه إلى مكانٍ عليّ فقالوا إلى السماء.
أخنوخ في سفر يشوع بن سيراخ:
يقول سفر يشوع بن سيراخ في مديح الآباء والرجال والنجباء، وهو من الأسفار اليهودية غير القانونية، فيما جاء عن أخنوخ: أخنوخ أرضى الرب، فنقل، وسيُنادى الأجيال إلى التوبة، كما جاء، لم يخلق على الأرض أحدٌ مثل أخنوخ الذي نقل عن الأرض.
ثانياً: أخنوخ في العهد الجديد “الإنجيل”:
لقد ورد في الإنجيل عن أخنوخ في رسالة يهوذا: وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ السابع من آدم قائلاً: هو ذا قد جاء الرب في ربوات قديسيةٍ ليصنع دينونة على الجميع، ويُعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار، هؤلاء هم مدمدمون متشكون، سالكون بحسب شهواتهم، وفمهم يتكلم بعظائم، يُحابون بالوجوه من أجل المنفعة.
وجاء في رسالة العبرانيين قول بولس الرسول في أخنوخ: بالإيمان نقل أخنوخ لكري لا يرى الموت، ولم يوجد؛ لأن الله نقلهُ، إذ قبل نقلهُ شهد له بأنه قد أرضى الله. ومعظم المفسرين والآباء يقولون بأن الله حجبهُ عن الناس، وأنه لم يمت، كما يلاحظ بأن محتويات سفرِ أخنوخ قد دخل في صياغة كثيرٍ من نصوص العهد الجديد، وذلك طبقاً لما ذكرهُ سهيل زكار في كتابه.
ثالثاً: إدريس عليه السلام في القرآن الكريم:
لقد جاء ذكر إدريس عليه السلام في القرآن الكريم في سورتي مريم والأنبياء، فجاءَ قوله تعالى: في سورة مريم: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا–وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا –أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا” مريم:56-58. حيث خصه الله تعالى بالنبوة والصديقية وعلو المكانة والصبر والصلاح.
وجاء في شرح الطبري لقول الله تعالى في سورة مريم: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا” مريم:56. يذكر الله عزّ وجل أنه كان صديقاً لا يقول الكذب، ونبيّاً نوحي إليه من أمرنا ما نشاء. وقال الرازي في تفسيره لفظ صديق:” لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم إلا هذا الوصف، وهو كون الإنسان صديقاً، وتدل الآيةُ الكريمة على ترقية من الصديقية إلى النبوة. وفي قوله تعالى: “وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا” مريم:57. أي أن الله رفعه وهو حي إلى السماء الرابعة، ويعني إلى مكان ذو علوٍ وارتفاع، وقال بعضهم: رفع إلى السماء السادسة، وقال آخرون أنه رُفع منزلةً.
وفي تفسير الرازي في قوله تعالى في سورة مريم: “وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا” فيها قولان وهما:
الأول: أنه من رفعة المنزلة كقوله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام: “ورَفعنا لكَ ذكرك” الشرح:4. حيثُ شرفهُ الله بالنبوة، وأنزل عليه ثلاثين صحيفةٍ، وهو أول خط بالقلم، ونظر في علم النجوم والحساب، وأول من خاط الثياب.
الثاني: أن الرفعةَ في المكان إلى موضعٍ عالٍ قال: “وهذا أولى” فتكون الرفعة في المكان لا في الدرجة، ثم اختلفوا، فقال بعضهم أن الله رفعه إلى السماء وإلى الجنة وهو حيٌ لم يمت، وقال آخرون: “بل رفعَ إلى السماء وقبض روحهُ فيها”. وجاء في تفسير النسفي: رفعتهُ الملائكة إلى السماء الرابعة، وقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج فيها.
ويقول محيي الدين بن عربي في كتابه: فصوص الحكم، إنّ العلو نسبتان: علوُ مكان، وعلو مكانةٍ، فعلوُ المكان: ذكر في قوله تعالى: “ورَفعنا لكَ ذكرك” مريم:57. وأعلى الأمكنة؛ المكان الذي تدور عليه وحي عالم الأفلاك، وهو فلك الشمس، فجعل “علياً” أي نعتاً للمكان، والعمل يطلب المكان، والعلمُ يطلب المكانة، فجمعٌ بين الرِفعتين: علو المكان بالعمل، وعلو المكانة بالعلم، والمكانةُ تعتبر المنزلة، فيدلُ المعنى على أنّ إدريس عليه السلام جمع بين العمل والعلم.