الصّيام هو التعبُّدُ لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر حتى غروب الشمس .
والصّيام له شروط وأركان وأحكام وفوائد ومفسدات وغير ذلك، وفي هذا المقال سنتعرَّف على أركان الصّيام، وآراء المذاهب في أركان الصّيام .
الركن الأول: النية،ومعناها القصد، وهو اعتقاد القلب فعل شيء، وعزمهُ عليهِ من غير تردُّد، والمراد بها هنا قصد الصوم، والدليل على أنَّ النية ركن لصحَّة الصّيام، قول الرسول صلّى الله عليه وسلم: (إنَّما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرئٍ ما نوى) “رواه البخاري ومسلم”.
وهو يعم كل عمل، وقوله في حديث حفصة رضي الله عنها: (من لم ُيبيت الصّيام قبل الفجر فلا صيام له) “رواه أحمد وأصحاب السنن”.
ومحل النيَّة القلب، ولا يُشرع التلفظ بها، وهو خلاف السُّنَّة؛ لأنَّها عملٌ قلبي لا دخل للسان فيه، وحقيقتها القصد إلى الفعل امتثالاً لأمر الله تعالى، وطلباً لثوابه، ويُشترط في النيَّة لصوم رمضان التبْييت، وهو: إيقاع النيَّة ليلاً؛ لحديث حفصة المتقدم، وتصحُّ النية في أيِّ جزء من أجزاء الليل، وينبغي على العبد أن يبتعد عن وسواس الشيطان في النية، فإنَّ النية لا تحتاج إلى تكلُّف، فمن أقنع قلبه بالنيَّة ليلاً أنَّه سيصوم غداً فقد نوى، ومثله مالم تسحَّر بنية الصوم غداً.
وبعض الفقهاء يعدون النيّة شرطاً لصحة الصّيام وليست ركناً من أركانه، فالمقصود أنَّه لا بدَّ من النيّة لصحَّة الصوم سواء عددناها ركناً أم شرطاً.
الركن الثاني: هوالإمساك عن المفطرات من طعام، وشراب، وجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس، ودليل ذلك قوله تعالى:(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمَّ أتموا الصِّيام إلى الليل)”البقرة:187″.
والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود، بياض النَّهار وسواد الليل، وذلك يحصل بطلوع الفجر الثاني أو الفجر الصّادق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يمنعنَّكم من َسحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق) “رواه الترمذي”.
وقوله صلّى الله عليه وسلم: (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النَّهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصَّائم) “رواه البخاري ومسلم”، وقد أجمع أهل العلم على أن من فعل شيئاً من ذلك متعمِّداً فقد بطل صومه.
هناك ركن آخر من أركان الصّيام: وهو إستيعاب زمن الإمساك .
ويلزم الصَّائِم الإمساك عن المفطِّرات من دُخول الفَجرِ الثاني، والفجر هنا يقسم إلى فجران، وهناك فروق بينهما: الفجر الكاذب: ويكون مستطيلاً في السَّماء، وليس عرضاً، بل طولاً، ويحدثَ بعد ضيائه ظلمة لهذا سُمي كاذباً، وبينه وبين الأُفق ظلمة
أمَّا الفجر الصّادق: فيكون عرضاً، يمتدُّ من الشمال إلى الجنوب، والفجر الصّادق لا ظُلمة بعده، لا بل يزدادُ فيه الضّياء حتى تطلع الشمس، والفجر الصّادق، يكون متصلٌ بالأُفق.
قال ابن عبد البر: والنهار الذي يجب صيامه، يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وأجمع على هذا علماء المسلمين وقالوا لا وجه للكلام فيه .
قال ابن قُدامة: والصَّوم المشروع، هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشّمس .
آراء بعض الفقهاء في أركان الصّيام
فقد ذهب الحنابلة والأحناف إلى أنَّ للصوم ركناً واحداً، وهو الإمساك عن المفطرات، أمَّا النَّيَّة فهي شرط عندهم.
بينما ذهب المالكيَّة والشافعيَّة إلى أنَّ النيّة ركن، فيكون للصوم ركنان: النيّة، والإمساك عن المفطرات، وزادت الشافعيَّة ثالثاً وهو الصائم.
المالكية: اختلفوا، فقال بعضهم: إنَّ للصيام ركنين: أحدهما: الإمساك، ثانيهما: النيَّة، فمفهوم الصيام لا يتحقَّق إلا بهما، ورجح بعضهم أنَّ النية شرط لا ركن، فمفهوم الصيام يتحقَّق بالإمساك فقط.
الشافعية قالوا: أركان الصيام ثلاثة: الإمساك عن المفطرات، والنيَّة، والصائم، فمفهوم الصِّيام عندهم لا يتحقَّق إلا بهذه الثلاثة، وقد عرفت أن الحنابلة، والحنفيَّة يقولون: إنَّ النية والصائم شرطان خارجان عن مفهوم الصّيام، ولكن لا بدَّ منهما.
الشافعية قالوا: تنقسم شروط الصِّيام إلى قسمين: شروط وجوب، وشروط صحَّة، أمَّا شروط وجوبه فأربعة: أحدها البلوغ، فلا يجب الصِّيام على الصّبي، ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر سنين، ووافقهم على هذه الحنفية؛ أمّا المالكية فقد قالوا: لا يجب على الوليّ أمرُ الصّبي بالصّيام، ولا يندب، ولو كان الصبيُّ مراهقاً؛ الحنابلة قالوا: المعمول في ذلك على القدرة والإطاقة، فإذا كان الصّبيُّ مراهقاً يطيق الصّيام، فيجب على الولي أن يأمره به، ويضربه إذا امتنع.
ثاينها: الإسلام، فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة، وإن كان يعاقب عليه في الآخرة؛ أمّا المرتد فإنَّه يجب عليه وجوب مطالبة فيطلب منه بعد عودته إلى الإسلام، ثالثها: العقل، فلا يجب على المجنون إلّا أن كان زوال عقله بتعديه، فإنَّه يلزمه قضاؤه بعد الإفاقة، ومثله السّكران إن كان متعدياً بسكره، فيلزمه قضاؤه، وإن كان غير متعدٍ كما إذا شرب من إناء يظنُّ أنَّ فيه ماء، فإذا به خمر سكر متعدياً بسبب الإغماء أم لا، رابعها: الإطاقة حسّاً وشرعاً، فلا يجب على من لم يُطقه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لعجزه حسَّاً، ولا على نحو حائض لعجزها شرعاً.
وأمَّا شروط صحَّته، فأربعة أيضاً: الأول: الإسلام حال الصّيام، فلا يصحُّ من كافر أصلي، ولا مرتد.
الثاني: التمييز، فلا يصحُّ من غير مميز، فإن كان مجنوناً لا يصحُّ صومه، وإن جنَّ لحظة من نهار، وإن كان سكران أو مغمى عليه لا يصح صومهما إذا كان عدم التمييز مستغرقاً لجميع النَّهار، أمّا إذا كان في بعض النَّهار فقط فيصح، ويكفي وجود التمييز ولو حكماً، فلو نوى الصَّوم قبل الفجر ونام إلى الغروب صحَّ صومه، لأنَّه مميز حكماً.
الثالث: خلو الصّائم من الحيض، والنفاس، والمرأة التي ولدت في وقت الصَّوم وإن لم تر الوالدة دماً.
الرابع: أن يكون الوقت قابلاً للصوم.
حكم من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام
إنّ الفاصل الذي يمنع الصّائم من الأكل والشُّرب؛ هو طلوع الفجر، لقول الله تعالى:(فَالـآنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي الْمَسَـٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)“البقرة187” .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن أم مكتوم، فإنَّه لا يؤذّن حتى يطلع الفجر”. رواه البخاري.
فالعبرة هنا هي طلوع الفجر، فإذا كان المؤذِّن ثقة ويقول: إنَّه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر، فإنَّه إذا أذّن وجب الإمساك بمجرَّد سماع آذانه، وأمّا إذا كان المؤذن يؤذِّن على التحرِّي؛ فإنّ الأحوط للإنسان أن يُمسك عند سماع آذان المؤذن، إلّا أن يكون في برّية ويشاهد الفجر، فإنَّه لا يُلزمه الإمساك ولو سمع الأذان حتى يرى الفجر طالعاً، إذا لم يكن هناك مانع من رؤيته، لأنَّ الله تعالى علَّق الحكم على تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في أذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه “فإنَّه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر”.
فالحديث هنا يدلُّ على مسألةً يفعلها بعض المؤذنين، وهي أنَّهم يؤذِّنون قبل الفجر بخمس دقائق، أو أربع دقائق؛ زعماً منهم أنَّ هذا من باب الاحتياط للصوم، وهذا احتياطٌ نسميه “تنطع”، وليس احتياطاً شرعيًّا.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “هلك المتنطعون” وهو احتياط غير صحيح، لأنَّهم إن احتاطوا للصوم أساؤوا في الصَّلاة، فإنَّ كثيراً من الناس إذا سمع المؤذن قام فصلَّى الفجر، وحينئذ يكون هذا الذي قام على سماع آذان المؤذن الذي أذَّن قبل صلاة الفجر، يكون قد صلَّى الصَّلاة قبل وقتها، والصلاة قبل وقتها لا تصحُّ، وفي هذا إساءة للمصلين. ثمَّ إنَّ فيه أيضاً إساءة إلى الصّائمين، لأنَّه يمنع من أراد الصّيام من تناول الأكل والشُّرب مع إباحة الله له ذلك، فيكون جانياً على الصّائمين حيث منعهم ما أحلَّ الله لهم، وعلى المصلّين حيث صلُّوا قبل دخول الوقت، وذلك مبطل لصلاتهم، فعلى المؤذن أن يتقي الله عز وجل، وأن يمشي في تحريه للصواب على ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنة.
والدليل على ذلك من السُّنة هو: بقول النبي صلى الله عليه وسلم:”إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته”، وهذا برأيه دليل صريح على جواز الشُّرب خلال وقت الأذان دون ريب.
وكان عمر بن الخطاب يقول: إذا شكّ الرَّجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا، كما أنَّه روي عن ابن عباس قوله”أحلَّ الله الشراب ما شككت؛ يعني في الفجر”.
وفي قصةٍ مكحول التي رواها كموقف، حيث قال :(رأيت ابن عمر أخذ دلواً من زمزم وقال لرَّجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا؛ فشرب ابن عمر).