ما هي الأعمال التي عمل بها النبي في حياته قبل البعثة؟
اشتغاله صلى الله عليه وسلم برعي الغنم:
عندما شب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصبح عليه الصلاة والسلام فتى أراد أن يعمل و يأكل من عمل يده، بدأ عليه الصلاة والسلام العمل برعي الأغنام لأعمامه ولغيرهم؛ حيث كان ذلك مقابل أجر يأخذه منهم.
كما أن الكثير ممن يتجهون إلى مهنة وعمل الرعي وقيادة الأغنام كانوا قد علموا أنها قد علّمت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رعاية المسلمين وأيضاً قيادة الأمة الإسلامية وذلك بعد بعثته عليه الصلاة والسلام، وهذا لا شك هو مبالغة كبيرة؛ لأن كثيراً من الناس غيره من الرعاة لم يصبحوا في أوقات قادات.
كما أن الكثير من القادات والساسات لم يعرفوا عن حرفة الرعي أي شيء، وهناك فرق كبير وشاسع بين سياسة الحيوان وسياسة الإنسان، لكن يمكننا القول أن حرفة وعمل الرعي بالغنم أنها كانت تتم في الصحراء، حيث الفضاء الواسع المتناهي والسماء الكبيرة الصافية وأيضاً النجوم المتلألئة في وقت الليل والشمس القوية المشرقة في وقت الصباح، وهذا النظام العظيم البديع في حركة هذا الكون، حيث استرعى كل هذا انتباه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأخذ عليه الصلاة والسلام يتأمل ويتفكر ويتدبر في هذا الكون العجيب.
اشتغاله صلى الله عليه وسلم بالتجارة:
أصبح النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يزاول مهنة التجارة وهو في عمر الثانية عشرة من عمره، وقيل أيضاً أنه كان عليه الصلاة والسلام في عمر التاسعة، حيث انتهز عليه الصلاة والسلام فرصة الخروج مع عمه أبى طالب بالتجارة إلى منطقة الشام، فخرج صلى الله عليه وسلم مع عمه، وفي الطريق قابلهما راهب يتبع الديانة المسيحية، فعندما رأى في النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم علامات النبوة، نصح عمه أبو طالب بأن يعود بالفتى محمد إلى مكة المكرمة؛ وذلك مخافة أن يعرفه الروم ومن ثم يقتلوه.
وعلى الرغم من أن المؤرخين قد ذكروا قصة الراهب بحيرا، إلا أنه لا يمكن أن تصدق تلك القصة بسهولة، لأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم نفسه لم يكن لديه علم أنه نبي ولم يعرف من الأصل إلا بعد أن أخبره سيدنا جبريل بذلك الأمر في الغار، وكان كل ما يعرفه الرجال اليهودين والمسيحين عن الرسالة المحمدية الكريمة والعظيمة زمانها فقط لا شخص صاحبها.
وقد فادت تلك الرحلة سيدنا محمد بشكل كبير، إذ عودته تلك الرحلة على الصبر وعلى تحمل المشاق وأيضاً فتحت عينية عليه الصلاة والسلام على العديد من الأقوام والمجتمعات التي تختلف بشكل شاسع عن قومه وعن مجتمعه، حيث مرَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم في طريق الذهاب وطريق العودة على عدة مدن، عرف أن تلك المدن هي ديار قوم ثمود ومدين وأيضاً وادي القرى والتي سمع عن أخبارهم الكثير.
ولم تنقطع صلة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالتجارة وذلك بعد عودته من رحلة الشام، بل كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتاجر بالأسواق في مكة المكرمة أو بالأسواق القريبة من مكة المكرمة، مثل سوق عكاظ وسوق المجنه وأيضاً ذي المجاز، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يجعل التجارة كل همه، حيث اكتفى منها بما يوفر له عليه الصلاة والسلام حياة متزنة وسعيدة، وكان كلما تقدم العمر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ازداد عليه الصلاة والسلام تفكيراً وتأملاً، حيث كان يقضي الكثير من وقته يتدبر ذلك الكون العجيب.
والعبرة الكبيرة من عمل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في التجارة كان في صقل شخصية النبي محمد وتميزه بالمرونة؛ وذلك لأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سيتعامل فيما بعد مع عدد هائل وكبير وأصناف مختلفة ومتنوعة من الناس.
وقد استفاد الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم خبرة كبيرة من الاختلاط بالعديد من التجار، وخاصة التجار من كبار السن، وفتح ذلك المجال أمام النبي محمد للنقاش، وأيضاً حل المشاكل بين المتخاصمين، وسماع الآراء وأيضاً التعقيب على تلك الأراء والاستفادة من المسابقات الشعرية.
وقد حصل النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم من هذه التجارة على الكثير من الفوائد العظيمة ولم تقتصر على الأجر فقط، حيث مرّ بالمدينة المنورة وهي التي هاجر إليها عند بدء الدعوة، إذ أنها كانت مركز دعوته عليه الصلاة والسلام، ومرّ بالبلاد التي فتحها ونشر فيها الدين الإسلامي فيما بعد، والتي كانت سبباً كبيراً في زواج النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم من السيدة خديجة -رضى الله عنها-.