أنواع الوحي بالمعنى اللغوي والمعنى الشرعي

اقرأ في هذا المقال


خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسنِ تقويم، وركبه أحسن تركيب، وجعله من جسد وروح، وحين نتأمل في هذين العنصرين الأساسين في خلق الإنسان من حيث الروح والجسد، فالجسد خُلق من تُراب، وإذا ماتَ عاد إلى التراب، أما الروح فغذاؤها الحقيقي هو ما نزل به الروح الأمين على قلب النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- من الوحي المبين، ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه أنزل على رسله وأنبيائه جبريل -عليه السلام- بغذاءِ الأرواح، كما خلق للأجساد غذاءها، فلا ينكر هذا الأمر إلا مُكابر معاند، فما الوحي وما أنواعه وما معناه بالمصطلحين الشرعي واللغوي؟

الوحي بالمعنى اللغوي

أصل الوحي في اللغة: هو إعلام في خفاء.

قال الراغب الأصفهاني: “الوحي هو الإشارة السريعة، وذلك بأن يكون بالكلام رمزاً وتعريضاً وقد يكون بالصوت المجرد من التركيب، أو بالكتابة، أو بالإشارة بالجوارح”.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الوحي: الإعلام السريع الخفي إما في يقظة أو في منام.

طرق الوحي بمعناه اللغوي

يتضح مما سبق أن طرق الوحي كما دلّت عليها النصوص اللغوية السابقة هي:

1- الكلام.

2- الصوت المجرد من التركيب.

3- الإشارة ببعض الجوارح.

4- الكتابة.

أنواع الوحي بالمعنى اللغوي

1- إلهام الخواطر: وهو ما يلقيه الله تعالى في قلب الإنسان صاحب الفطرة السليمة النقية ومثال ذلك ما أوحاه الله تعالى إلى أم موسى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ“(سورة القصص:7)، والوحي إلى الحواريين “وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ” (سورة المائدة: 111).

2- إلهام الغرائز والذي يكون للحيوانات، مثلما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى النحل قال تعالى: “وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ“(سورة النحل:68).

3- إلهام كوني للجمادات ، قال تعالى : “إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا(5)” (سورة الزلزلة:1-5)، وقال تعالى: “وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا”(سورة فصلت: 12)

4- إلهام الله سبحانه وتعالى إلى الملائكة :”إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ واضْرِبُوا مِنهم كُلَّ بَنانٍ“(سورة الأنفال:12) .

5- إلهام بالإشارة بإحدى الجوارح، كما أوحى كما في قوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام :”فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا“(سورة مريم:11).

6- وسوسة الشياطين، قال تعالى :”وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ“(سورة الأنعام: 121) وقال تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا” (سورة الأنعام: 112)

الوحي بالمعنى الشرعي

الوحي شرعاً : هو إعلام الله سبحانه وتعالى لأحد أنبيائه بنص شرعي أو نحوه، وله صور وأشكال متعددة.

أنواع الوحي بالمعنى الشرعي

قال تعالى :”وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ“(سورة الشورى: 51)

1- كلام الله تعالى لأنبيائه من وراء حجاب كما في قوله تعالى: “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ” (سورة النساء: 163) إلى قوله تعالى: “وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا” (سورة النساء: 164).

2- كلام الله تعالى الذي ينزل به الملائكة إلى أنبيائه كما في قوله تعالى :”إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا” (سورة النساء: 163).

3- الإلهام وإلقاء الوحي في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا بإلقاء بالقلب ولا يكتبه ولا يأمر أحد بكتابته، لكنه يبينه للناس للتفريق بين كلام الله تعالى لفظاً ومعناً الذي هو القرآن الكريم، وأما الذي لا يكون لفظه من الله تعالى فهي الأحاديث فإن لفظها من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ما هي كيفية الوحي إلى الرسول

يقوم الوحي بناء على اتصال بين جبريل عليه السلام وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحصل ذلك في حالتين:

1- أن يأتي جبريل -عليه السلام- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل صلصلة الجرس، ومعنى الصلصلة: صوت وقوع الحديد فوق بعضه، وكل صوت له طنين، وقد ذكر أن هذه الحالة كانت هي الأشد على الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قال عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- هل تحس بالوحي؟ فقال:أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض”، وفي رواية (تقبض).

2- أن يأتي جبريل -عليه السلام- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل أعرابي أو بصورة دحية الكلبي فيكلمه كما يكلم البشر، وهذا ما روته عائشة -رضي الله عنها – أن الحارث بن هشام سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- “كيف يأتيك الوحي؟ أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ؛ فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثّل لي الملَك رجلًا؛ فيكلّمني فأعي ما يقول وقالت رضي اللّه عنها : “ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشّديد البرد فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقًا”.

وفي الختام الوحي أعظم وسيلة اتصال عرفتها البشرية جميعاً على مرّ الزمن، وهو الحبل المتين، الذي ربط السماء بالأرض، والنور العظيم الذي أنار العقول والقلوب والأبصار بنور المعرفة الصحيحة المستمدة من الله سبحانه وتعالى، وأن الرسالة ضرورية للعباد ولا بد منها، وإذا كان فوز العبد في الدارين مُعلّق بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجب على كل من أحب نفسه وأحب أن ينجو أن يعرف هديه وسيرته عليه الصلاة والسلام.


شارك المقالة: