كان أول نظام نقدي في الإسلام، حفاظاً على كرامة المسلمين وحمايةً لهم ولممتلكاتهم، حيث كانوا يتعرَّضون للانتقاد والتهديد من النصارى الصليب؛ بسبب الشعارات على العملة الإسلامية والكتابات الإسلامية لغير المسلمين حيث كانوا يبدأونها بكلمة التوحيد والصلاة على رسول الله، ومع إلحاح الحجاج على عبد الملك بن مروان، أمر بإيجاد نظام نقدي إسلامي يليق بمكانة الإسلام وحكمه وطرد النقود الرومانية.
تأسيس أول نظام نقدي في الإسلام:
كلّف عبد الملك بن مروان الرجل اليهودي سمير، بالعمل على تأسيس نظام نقدي إسلامي واتخاذ عملات نقدية باستخدام معدني الذهب والفضة؛ للحصول على نقود جيّدة قادرة على تلبية الغرض منها، ومصادرة النقود غير الإسلامية، فوضع سمير الوحدة التي سيضرب العملات على أساسها وحدّد وزنها، من خلال استعمال حبة الشعير المتوسّطة الحجم، ثمّ وضع قواعد المكاييل الإسلامية، على نفس أساس قياس وزن حبة الشعير.
دار الضرب الأموية للنقود:
عندما تأكّد عبد الملك بن مروان من مشروعية نظام ضرب النقود وصحته، عمل على إنشاء دار لضرب النقود الإسلامية في دمشق، ووظّف فيها عدد كبير من العمّل الذين يعملون بجديّة واستمرار، لإصدار أكبر كميات من النقود الإسلامية متقنة الصنع، بأوزان وقياسات دقيقة وموحّدة، وفرض العقوبات على من يخرج من يده عملة غير دقيقة في الوزن والقياس.
ثمّ أمر عبد الملك بن مروان بضرورة استعمال النقود الإسلامية وتداولها، ومنع التداول بغيرها من النقود الأجنبية أو غير الإسلامية، وعلى من يملك نقوداً أجنبية تسليمها لدار الضرب واستبدالها بنقود إسلامية، ويُعاقب من يبقى في ملكيته نقوداً أجنبية.
ولم يكن ذلك كافياً فطلب الحجاج من عبد الملك أن يقوم بإنشاء دار لضرب النقود في العراق، وأذن له حتّى أصبحت في العراق داراً لضرب النقود الإسلامية لا تقل أهمية ودقة واتقان عن دار الضرب في دمشق، وتابع الخلفاء الذين أتوا بعد ذلك عمليات سك النقود بأنفسهم، والتأكد من الأوزان والقياسات.
كما كتب عبد الملك “لا إله إلّا الله محمد رسول الله” على إحدى أوجه الدينار الإسلامي، وكتب على الوجه المقابل، “الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد” إضافة إلى جملة “ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل ﷲ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋلى اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ” مكتوبة في طوق العملة، وكان الهدف من ذلك الرد على ملك الروم الذي كان يهاجم من يتعامل بالعملة الإسلامية؛ بسبب الشعارات الإسلامية المكتوبة عليها.
ولتوافر المعادن في أيدي عبد الملك وعامله الحجاج، استمروا في صرب النقود إلى أن بمقادير كبيرة وكافية وثبات في الأسعار، والاستقرار في حصيلة الضرائب؛ ممّا عاد على الدولة بالقوة والقدرة الاقتصادية العالية.