إرهاصات النبوة ونزول الوحي

اقرأ في هذا المقال


إرهاصات النبوة ونزول الوحي:

عندما اقترب رسولنا الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم من عمره أربعين عاماً حُبِّب إليه الخلاء (الجلوس لوحده)، فكان النّبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم يأخذ معه التمر والماء أيضاً، حيث كان يذهب إلى غار حراء الذي يبعد عن مكة المكرمة مسافة ميلين.
ملاحظة مهمة: إرهاصات تعني ( هي الأمورُ الخارِقُة للعادة والتي تظهر للنبي قبل بعثته).

حيث كان النّبي الكريم يذهب هناك حتى يقضي وقته في عبادة الله والتفكير في قدرة الله العظيمة والتي يندهش منها من يتفكر فيها ومن يتفكر في كيفية خلق هذا الكون، وكان النّبي يبتعد عن جميع مشاغل الدنيا، وكان النّبي مرتقيًا بنفسه عمّا كانت تتعلق به قلوب أهل هذه الأرض من متاع الدنيا وشهواتها الزائلة غير الدائمة.

وبعد ذلك بدأت طلائع النبوة وإرهاصاتها في التبيان والظهور، ومن تلك الإرهاصات هو أنّ حجرًا من مكة المكرمة كان ينطق ويتكلم حتى يسلم على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن تلك الإرهاصات أيضًا هي الرؤيا الصادقة في منامه عليه الصلاة والسلام، حيث كان النّبي الكريم لا يرى أي رؤيا في منامه إلّا وقد وقعت تلك الرؤيا كما رآها تمامًا وبشكل واضح مثل فلق الصبح.

نزول الوحي:


وبعد أن بلغ رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من عمره الأربعين عاماً، نزل عليه الوحي وكان ذلك في شهر رمضان المبارك، حيث جاءه الملك العظيم جبريل عليه السلام في غار حراء الذي كان النبي يأتي إليه للتعبد، وقال له سيدنا جبريل عليه السلام: “اقرأ”، فكانت تلك الكلمة هي أول الكلمات التي قالها الوحي للنّبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم، والنّبي الكريم كان مثل الذي “غالب قومه حينئذٍ” أمّيًا لا يعرف ولا يحسن الكتابة والقراءة من كتاب، ولهذا كان رد النّبي للملك قائلاً: “ما أنا بقارئ”.

ومن ثم ضمّ الملك جبريل عليه السلام الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم، حتى يؤكّد الملك جبريل للنّبي أنّ ما يراه لم يكن مجرد تخيلات أو لم يكن مجرد توهمات، وحتى تطمئن نفس النّبي الكريم وحتى تتهيأ أيضاً لاستقبال الوحي.

وبعد ذلك قال الملك جبريل عليه السلام للنبي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}… سورةالعلق: 1-3، وذلك كان أول ما أُنزل من الآيات من القرآن الكريم.

حيث أنّ المقصود بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، أي أنّك يا محمد لن تتمكن من القراءة بقوتك أومعرفتك، لكنّك ستتمكن من قراءة القرآن الكريم بحول وبإذن الله عند وقت إعانته لك، فالله سبحانه وتعالى قادر أن يعلمك كما خلقك، مثلما نزع عنك علق الدم ونزع عنك غمز الشيطان في الصغر من عمرك، ومثلما علّم أمتك حتى أصبحت قادرة على أن تكتب بالقلم بعد أن كانت أمة أمية لا تعرف أن تكتب.

وبعد ذلك انقطع الوحي لفترة قصيرة من الوقت، حتى يزول الذي كان في نفس النّبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من الروع والدهشة والصدمة والخشية والذعر والخوف والفزع والهلع، وحتى يحدث للنّبي التشوّف (التشوّف تعني: النَّفْسِ لِلِقَاءِ الأَحِبَّةِ : التَّطَلُّعُ، الاِشْتِيَاقُ) وأيضاً التشوق لمجيء الوحي مرّة ثانية.

وقد عاد سيدنا جبريل عليه السلام حتى يظهر للنّبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم وهو جالس على كرسي عظيم، كان ذلك الكرسي بين السماء والأرض، ولينزل قول الله عز وجل في سورة المدثر: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}…..سورة المدثر: 1-5، ومن ثمّ أصبح الوحي ينزل بكثرة ويزداد بعدها في النزول بشكل متتابع ومستمر.

والمعنى في قول الله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}: “أي يا من تغطّيت واستغشيت بثيابك، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد تغطى بثيابه حين رأى الملك جبريل من شدّة خوفه وفزعه”.

“{قُمْ فَأَنْذِرْ}: أي قم فحذّر وخوّف المشركين من العذاب الذي ينتظرهم إن ظلُّوا على شركهم وعبادتهم للأوثان”.

“{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}: أي اختص ربك ومولاك بالتكبير والوصف بالعظمة والكبرياء أن يكون له شريك”.

“{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}: أي طهّر نفسك باطنًا من الذنوب والمعاصي وأعمال الشرّ، وظاهرًا بتطهير الثياب من القاذورات والنجاسات، وهذا الخطاب موجّه لكل مؤمن”.

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}: هذه دعوته لمحاربة الشرك والوثنية لأنَّها سبب العذاب والذل في الدنيا والآخرة”.

حيث اشتملت تلك الآيات الكريمات بتكليف النّبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – بتطبيق وتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى على نفسه أولًا، ومن ثمّ دعوة الناس إليها والقيام بتطبيقها، فأُمِر النبي الكريم في تلك الآيات بترك جميع المعاصي والذنوب والقيام بتطير نفسه ظاهرًا وباطنًا.

واشتملت أيضاً هذه الآيات الكريمات على أمر النّبي بإنذار وتحذير الناس من عواقب الكفر والشرك وعبادة الأوثان والأصنام من دون الله، وقد طلبت من النبي أن يدعوهم لعبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له وهو على كل شئ قدير.


شارك المقالة: