لقدْ كانَ لأصْحابِ المّذاهِبِ الأرْبَعَةِ الفقهيَّةِ أثَرٌ كبيرٌ وجُهْدٌ في تَدوينِ السُّنَّةِ ونَقْلِها إلى الأمَّةِ الإسْلاميَّةِ، وقدْ ساهمَ في ذلِكَ فضْلُ الحديثِ والسُّنَّةِ في تبيين أحْكامِ الفقْهِ والتَّشْريعِ، وقدْ كانَ للإمامِ أحْمَدِ بنِ حَنْبَلٍ صاحِبِ المّذْهَبِ الحَنْبَلِيِّ دورٌ بارِزُ في علمِ الحديثِ، وسنكونُ في هذهِ السُّطورِ معْ سيرَتِهِ مَعَ الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ، فتعالوا مَعَنا.
نبذة عن الإمام أحمد بن حنبل:
هوَ الإمامُ الفقيهُ المُحَدِّثُ، أبو عبدِ اللهِ، أحْمَدُ بنُ حَنْبَلِ بنِ مُحَمَّدِ بنٍِ حَنْبَلٍ الشَّيْبانِيُّ الذُّهَلِيُّ، منْ علماءِ الحديثِ في القرنِ الثّانِي والثَّالِثِ الهِجْرِيَيْنِ، صاحِبُ المَذْهَبِ الحَنْبَلِيِّ، أحَدُ المّذاهِبِ المُعْتَمَدَةِ عنْدَ أُمَّةِ الإسْلامِ، وصاحِبُ المُسْنَدِ، وُلِدَ في العامِ الرَّابِعِ والسِّتينَ بعدَ المائَةِ منَ الهِجْرَةِ النَّبوِيَّةِ في بَغْدادَ، ونَشأَ في بيتٍ مُحِبٍ للعِلْمِ، ورحَلَ في طَلَبِ الحديثِ إلى كثيرٍ منَ البُلْدانِ الإسْلامِيَّةِ إلى الحِجازِ واليَمَنِ، وجَمَعَ كَمَّاً هائِلاً منَ الحديثِ والعِلْمِ، وكانَ موئِلاً لِطَلبَةِ العلْمِ في بَغْدادَ بعدَ الأرْبَعينََ، امتُحِنَ الإمامُ أحْمَدُ بنُ حْنْبَلٍ في قَضِيَّةِ خلْقِ القُرْآنِ في خلافَةِ أبناءِ هارونَ الرَّشيدِ ولَقِيَ أشَدَّ أنْواعِ العذابِ ليَعْدِلَ عنْ رأْيِهِ في عدَمِ خلْقِ القُرْانِ، وبقيَ في ذلِكَ الإمْتِحانِ حَتَّى توفَّاهُ اللهُ بعدَ مَرَضِهِ الّذي أصابَهُ، وكانَ ذلِكَ في العامِ الحادِي والأرْبَعينَ بعدَ المائَتَيْنِ منَ الهِجْرَةِ يرْحَمُهُ اللهُ.
أحمد بن حنبل ورواية الحديث:
كانَ الإمامُ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ منْ أئِمَّةِ الحديثِ والفقْهِ في زَمانِهِ، وقدْ تَعَلَّمَ علْمَ الحديثِ على يَدِ كثيرٍ منَ المُحَدِّثينَ والعُلَماءِ منْ أمْثالِ: هُشَيْمِ بنِ بَشيرٍ وعبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ وسفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ ويحْيَى بنِ أبي زائِدَةَ والقاضِي أبي يوسفَ وعُمرَ بنِ عبيدٍ الطَّنافِسيِّ وبشْرِ بنِ المُفَضَّلِ وأبي بكْرِ بنِ عيَّاشٍ ومروانِ بنِ مُعاوِيَةَ وإسْماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ وعبدِ الوَهابِ الثَّقَفَيِّ وغيرِهم يرْحَمُهُمُ اللهُ.
أمَّا منْ رَوَى الحديثَ منْ طريقِ الإمامِ أحْمَدِ بنِ حَنْبَلٍ فَمِنْهُمْ: الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ إسْماعيلَ البُخارِيُّ والإمامُ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ والإمامُ أبو داوودَ السَّجِسْتانِيُّ وابناهُ صالِحُ وعبْدُ اللهِ وعليُّ بنُ المَدِينِيِّ وحجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ وبَقِيُّ بنُ مِخْلَدٍ وموسَى بنِ هارونَ وغيرُهُمْ كثيرُ يرْحَمُهُمُ اللهُ.
الإمام أحمد بن حنبل والمسند:
يعْتَبَرُ الإمامُ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ منْ أصحابِ المُصَنَّفاتِ في الحديثِ، وهو صاحِبُ كتابِ الحديثِ المَعْروفِ عنْدَنا بمُسْنَدِ أحْمَد، وهو من أصْحابِ الحديثِ المعروفينَ بجماعَةِ الحديثِ إلى جانِبِ أصْحابِ السنن السِّتَّةِ ومن أصحابِ الكُتُبِ التِّسْعَةِ إلى جانبِ المذكورينَ بالإضافَةِ إلى الإمامِ مالِكِ بنِ أنَسٍ والإمامِ الدَّارِمِيِّ، وقدْ كانَ منْهَجُهُ في المُسْنَدِ يقومُ على ذكر الإحاديثِ حسَبَ أسماءِ الصَّحابَةِ فيذْكُر حديثَهُمُ تحتَ مسانِيدٍ بأسْمائِهِمْ، كما يُعْتَبَرُ المُسْنَدُ عندَ بعْضِ أصْحابِ الحديثِ في المَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ بعدَ الصَّحيحانِ للبخارِيِّ ومُسْلِمٍ، ولا زالَ المُسْنَدُ مَرْجِعاً للعلماءِ وطلَبَةِ الحديثِ إلى يَوْمِنا هذا.