الالتفات في الصّلاة

اقرأ في هذا المقال


الالتفات في الصلاة ‏هو: أن ينظر المُصلّي عن يمينهِ وعن يسارهِ ولا يخشع فيالصّلاة.
فيجب على المسلم أنّ يُحسن الوقوف بين يدي الله تعالى في الصلاة، مُستحضراً عظمة الله تعالى، وما يجب لهُ من الخشوع والإخبات، فقال ابن القيم رحمهُ الله:
” للْعَبد بَين يَدي الله موقفان: موقف بَين يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة، وموقف بَين يَدَيْهِ يَوْم لِقَائِه، فَمن قَامَ بِحَق الْموقف الأول هوّن عَلَيْهِ الْموقف الآخر، وَمن استهان بِهَذَا الْموقف وَلم يوفّه حقّه شدّد عَلَيْهِ ذَلِك الْموقف” .

أمثلة على الالتفات في الصلاة:

ومن أهمِّ الأمثلة في بعض الأحاديث والأقوال:

إنّ الالتفات في الصلاةِ اختلاسٌ يختلسهُ الشيطانُ من الصلاة.
سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ هو اختلاسٌ يختلسهُ الشيطان من صلاة العبد .

حدثنا أبو حاتم مسلم بن حاتم البصري، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب، قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يا بُنيَّ إياك والالتفات في الصلاة فإنَّ الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بدّ ففي التطوع لا في الفريضة).

فقولهُ: “يابُنيَّ إيّاك والالتفات في الصلاة” تعني: تحويل الوجه، فإنَّ الالتفات في الصلاة هلكة” بفتحتين” أي هلاك ؛ لأنّهُ طاعة الشيطان وهو سبب الهلاك. (قال ميرك): الهلاك على ثلاثة أوجه: افتقاد الشيء عندك، وهو عند غيرك موجود .
كقوله تعالى:( هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)” الحاقه 29″. وهلاك الشيء باستحالته. وأيضاً الموت كقولهِ تعالى:( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)” النساء 176″ .
 وقال الطيبي: والهلكة تعني الهلاك: وهو استحالة الشيء وفسادهُ؛ لقولهِ تعالى:( وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ )” البقره 205″ .
والصلاة بالالتفات تستحيل من الكمال إلى الاختلاس المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها:( فإن كان لا بد ” أي من الالتفات “ ففي التَّطوع لا في الفريضة)؛ لأنَّ مبنى التطوع على المساهلة، أَلَا ترى أنَّهُ يجوز قاعداً مع القدرة على القيام؟ وفيهِ الأُذن بالالتفات للحاجة في التطوع والمنع من ذلك في صلاة الفرض . “رواه الترمذي “.

إنّ من المقاصد العظيمة التي شُرعت لها الصلاة، أنَّها شُرعت لتكون مُطهرة للمؤمنين من الذُّنوب والمعاصي والآثام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) “أخرجه البخاري ومسلم” .
وقال ابن رجب: (هذا المثل ضربهُ النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ لمحو الخطايا بالصلوات الخمس، فجعل مثل ذلك مثل مَن ببابهِ نهرٌ يغتسل فيه كلَّ يوم خمس مرات، فكما أنّ درنهُ ووسخهُ ينقّى بذلك حتى لا يبقى منه شيء، فكذلك الصلوات الخمس في كلِّ يوم تمحو الذُّنوبَ والخطايا حتى لا يبقى منها شيء) .
غير أنَّ هذا الفضل الذي ورد في الحديث لا ينالهُ كلُّ من صلّى، وإنما ينالهُ من أحسن في صلاته، وأقبل على الله بخشوع وخضوع .
فعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول:( أنه دَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) .

فالصلاة طهارة تؤهّل العبد للإقبال على الله والوقوف بين يديه؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ “المؤمنون 1-2 “.
والخشوع:هو إقبال القلوب وتذلُّلها لعلام الغيوب، ولهذا قيل: لكل شيء ثمرة، وثمرة الصلاة الإقبال على الله؛ ولذلك فإنّهُ من الأهداف التي يسعى إليها الشيطان هي صرف العبد عن الإقبال على الله، ومن وسائله في ذلك: إشغال العبد بالالتفات في الصلاة؛ ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسهُ الشيطان من صلاة العبد) .


والاختلاس: هوالاختطاف، وهو أخذ الشيء بسرعة؛ يعني: إنّ الشيطان يسترق من العبد في صلاته التفاته فيها، ويختطفه منه اختطافًا حتى يُدخِل عليه بذلك نقصٌ في صلاته وخللٌ فيها، فإنهُ يوجب إعراض الله من عبده في تلك الحال؛ وفي الحديث: ( (إِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا) ” رواه أحمد” .

فالحكمة في التنفير من الالتفات ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى وذلك؛ لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أُناسًا يرفعون أبصارهم إلى السماء، ولا ينظرون إلى موضع سجودهم، قال:(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟ فاشتدَّ قوله في ذلك حتى قال: لينتهُنَّ عن ذلك أو لتخطفنَّ أبصارهم) .

الالتفات في الصلاة قسمان:

  • أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى، وهو التفات معنوي، ونعالج هذه المشكله بأنّ يَنْفلَ عن يسارهِ ثلاثاً، ويستعيذُ بالله من الشيطان الرجيم .
  • التفات البصر، وكلاهما منهيٌّ عنهُ، ويُسمّى الحسّي، ونعالجه بالتوجُّهُ مباشرةً إلى القبلة موضع السجود .

الأعمال التي تعينُ المسلم على عدم الالتفات في الصلاة:

– تحقيق الإخلاص لله تعالى، فإذا توجّه القلب لله تعالى والدار الآخرة وتخلّص من حظوظ الدنيا: خشع في صلاتهِ .
– استحضار عظمة الله تعالى حال وقوفهِ بين يديهِ في الصلاة .
– استحضار اطلاع الله عليهِ ومراقبته لهُ في صلاتهِ .
– تدبُّر معاني أذكار الصلاة والقرآن الذي يتلوه فيها، فإنَّ هذا من أعظم ما يجعل القلب حاضراً غير مشغول.
– ألَّا يكون في محل صلاته ما يشغلهُ من صور وزينة وأصوات، وخاصّة الأصوات المُحرمة كالغناء والموسيقى.
– عدم الالتفات في الصلاة، لا بقلبه، ولا بوجهه .
– أن يذكر الموت في صلاته، فيُصلّي صلاة مُودِّع، يظن أنّهُ لا يصلي صلاة بعدها.
روى الديلمي في “مسند الفردوس” عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” اذكر الموت في صلاتك؛ فإنَّ الرجل إذا ذكر الموت في صلاتهِ لحريّ أن يحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنّهُ يصلي صلاة غيرها ” .

حكم الالتفات في الصلاة:

الالتفات في الصلاة مكروه إلّا من حاجة، فإذا التفت برأسهِ بعض الأحيان، تكون صلاته صحيحة، لكن ينبه ويبيَّن لهُ أنَّ هذا مكروه وأنّه نقص في الصلاة.
جاء في الحديث عن النبي النبي ــ صلّى الله عليه وسلم ــ، أنّه قال لما سئل عن الالتفات في الصلاة فقال: “هو اختلاس يختلسهُ الشيطان من صلاة العبد “،هكذا جاء الحديث عن رسول الله الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ، في الالتفات قال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد لكن إذا دعت الحاجة، فلا بأس فالنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ التفت في الصلاة للحاجة، والصّدّيق التفت في الصلاة لحاجة.
المقصود أنهُ إذا كان الالتفات لحاجة بالرأس فلا بأس، وهكذا الإشارة لأحد للحاجة لا بأس فالنَّبي صلّى الله عليه وسلم أشار في الصلاة، إذا أشار لإنسان يدخل أو يخرج أو يغلق باباً فلا حرج في ذلك.
هناك بعض آراء الفقهاء في حكم الالتفات في الصلاة:
اختلف الفقهاء فى حد الالتفات المكروه:
الحنفية قال: الالتفات بالوجه كلِّه أو بعضهِ مكروه تحريمًا، وبالبصر من غير تحويل الوجه مكروه تنزيهاً.
ويجوز الالتفات بالوجه إذا كان لحاجة أو ضرورة وهو قول المالكية والحنابلة. 
المالكية والحنابلة قالوا: الالتفات مكروه بجميع صورهِ ولو بجميع جسدهِ، ولا يبطل الصلاة ما بقيت رجلاه للقبلة.
الشافعية قالوا: بحرمة الالتفات بالوجه أمّا اللَّمح بالعين فلا بأس بهِ .



شارك المقالة: