التخويف والتضليل في غزوة حنين:
كذلك كان من خطط القائد الملك مالك بن عوف الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، هو أسلوبه في الاستعداد للصدام بأسلوب التخويف، وذلك باتباع الحرب النفسية، من خلال إدخال الرهبة في نفوس جيش الإسلام من قواته، وذلك بجعل جيش هوزان الذي يقوده يظهر أكبر من حجمه الطبيعي بكثير.
بحيث أنه خُيِّل لمن يراه من جيش المسلمين على بعد وكأنّه مائة ألف مقاتل، وهذا المظهر ولا شك يكون ذا أثر في النفوس، فقد عمد الداهية القائد مالك بن عوف بالإضافة إلى جيشه الحقيقي عمد إلى عشرات الألوف من الإبل التي جلبها معه وجعلها وراء جيشه الحقيقي، كالجيش الاحتياطي صفوفاً، ثم أركب عليها النساء، فبدا سواد جيشه وكأنّه مائة ألف مقاتل.
وفعلاً ظنّ المسلمون أن الجمال التي تحمل النساء، تحمل رجالاً محاربين، لا سيما وأن الجمال تأتي في ذلك العصر بعد الخيل، والذي يعتبر من أهم الأسلحة في الحرب حيث كان العرب يحاربون وهم عليها كما يحاربون وهم على الخيل.
صحابي يصف ضخامة جيش هوازن:
وكان هناك أحد كبار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ممّن قد اشتركوا في واقعة غزوة حنين، حيث يصف هذه الخدعة الحربية المبهمة والعجيبة التي لجأ إليها القائد مالك بن عوف النصري، وهذا الصحابي الجليل هو أنس بن مالك رضي الله عنه، فقد قال: “لما وصلنا إلى وادي حنين وهو واد من أودية تهامة، له مضائق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء لا والله ما رأينا مثله في ذلك الزمان قط من السواد والكثرة، قد ساقوا نساءهم وأموالهم وأبناءهم وذراريهم، ثم صفوا صفوفا فجعلوا النساء فوق الجمال وراء صفوف الرجال، ثم جاءوا بالإبل والبقر والغنم فجعلوها وراء ذلك لئلا يفروا بزعمهم. فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم، فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف بداية الخيل ( خيل سليم ) مولَّية فولوا، وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس مغلوبين”.
ومن هذا الوصف الذي رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه عن خطة التضليل والإيهام التي اتبعها ورسمها أثناء تعبئته قائد وملكها هوازن، الذي لم يتجاوز الثلاثين من العمر.
من ذلك الوصف يتضح أي عدو عنيد شجاع محنك ومدرب، واجهه جيش المسلمون في معركة حنين الحاسمة الفاصلة، التي بمهارته وحسن تعبئته لجيشه، کسبها القائد مالك بن عوف في المرحلة الأولى وكاد يركب أكتاف المسلمين ويحتل مكة المكرمة، لولا أن أمدّ الله عز وجل رسوله وقلة من صفوة أصحابه فقلبوا ( بثباتهم بعد عون الله ) ميزان القوى لصالح الإسلام فرفعوا رصيد جيش المسلمين، ( الذي عاد إلى الميدان ) من الصفر إلى أرفع درجات النصر والعلو.