الحديث بين متبع ومنكر

اقرأ في هذا المقال


لقد انفردت أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم بشريعتها بميزات لم تكن لسائر أتباع الديانات السماوية، كاليهودية والنصرانية، فهي الشريعة الباقية ليوم القيامة، وشريعة جاءت لكل البشر لا للعرب فقط، ومن ميّزات هذه الشريعة حفظ الله تعالى لها إلى يوم القيامة، فقال تعالى:(( إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون))، والذّكر هو القرآن لكن هل كان القرآن يكفي لتوضيح هذه الشريعة، وذلك بأحكامه العامَّة التي لابد لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم توضيحها، ليتم وعد الله بحفظه القرآن الكريم، فهل كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم مجرد ناقل فقط ولا حاجة لما ورد منه كما يقول الملحدون والمنكرون والمعادون للإسلام، وما رد علماء الإسلام لمن أنكرالحدبث والسنَّه، أو نادى بالاكتفاء بالقران والاستغناء عن السنّة والحديث.

الحديث والسنة وحجيتهما

قبل الكلام في حجيّة الحديث والسنّة، لا بدَّ أن نقف على مفهوم كل منهما، فالحديث هو كل الوارد عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأفعال والتقريروالصِّفات الخَلْقيّة والخُلُقِيّة، وهو بذلك ليس كلُّه في مجال التشريع كما عُرِّفت السنّة بكل ما ورد عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم بمنظور الاتّباع والاقتداء، فالصفات الخَلْقيَّة مثلاً كوصف النّبي صلّى الله عليه وسلّم لاتدخل بمجال الاقتداء، وهي خارجة عن القدرة الاتّباعية في أن يقلّد المؤمن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في شكله وطوله ولون شعره مثلاً،وعلى ذلك فكل ما ورد بمفهوم السنّة يعتبر حديثاً وليس كل حديث سنّة.

أمّا حجيَّة الحديث والسنّة في ما ورد عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في طريق التشريع والاقتداء فهي ثابتة، وأمر الله تعالى المؤمنين باتباع النّبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب)(النور56)، فلم يكن نبينا محمّد صلّى الله عليه وسلّم مجرَّد ناقل للقرآن ومبلغ له فقط، بل جاء بوحي مع القرآن، موضحاً ومؤكداً له وآت بأحكام لم ترد فيه.

أهمية الحديث النبوي والسنّة

كما نعلم أنّ الله تعالى أنزل القرآن الكريم على سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وجاء الأمر من الله تعالى لسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يبين للناس ما نزل إليهم من القرآن العظيم الّذي جاء بأحكام عامّة ، فلم يكن النّبي صلّى الله عليه وسلَّم مجرَّد ناقل لهذه الشريعة بل مبيناً لها وموضحاً ومفصلاً لعامّها، فكان النّبي صلّى الله عليه وسلّم وحياً بشرياً يمشي على الأرض، نقل الرسالة كاملة بقرآنها وأحكامه، وما جاء منه صلّى الله عليه وسلّم من توضيحِِ وبيانٍ وعلمٍ وأحكام، فما كان لهذا الدّين أن يصل إلينا كاملاً كما وصلنا إلّا بفضل من الله تعالى بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكانت السنّة والحديث مصدراً تشريعياً مؤكداً لما جاء في القرآن، وموضحاً لأحكامة، ومنه يستقى أحكام جديدة لم ترد في القرآن الكريم، نقلها النّبي لأصحابة ونقلوها لمن بعدهم ليتمثل وعد الله بحفظ هذا الدين حتى قيام الساعة.

حكم الاستغناء عن الحديث بالقرآن

لما للسنّة والحديث النّبويّ من تنظيم لهذا الدين وشرح لأحكامه، فلا يجوز الأخذ برأي بعضهم في الاستغناء عن السنة بالقرآن، فلو لم يكن الحديث بما ورد عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم موجوداً، لما عرفنا أحكام العبادات من صلاة وزكاة وحج وعمرة، وكلّ هذه الأحكام جاءت عامّة في القرآن، ولولا الحديث وسنّة نبينا لما استطاع العلماء بناء أحكام مستجدة علية في بعض أحكام عصرنا.

الإنكار للحديث أسبابة والرد عليه

إنّ للحديث والسنّة مكانتها العظيمة التي تزيل الشبهات حولها في المصدر وطرق النقل والاتصال بسند أمَّة الإسلام بها ، ما يرد كل شبهات المنكرين للحديث والسنّة، فهي التي تواترت في إسنادها بين أمّة الإسلام وبإجماع الأمّة الإسلاميّة من عهد الصّحابة رضوان الله عليهم بكل طبقاتها حتى الآن، ومن غير المعقول اجتماع أمَّة بخطأ بما تواترت من الحديث والسنّة، وقد وصف نبيّ الرحمة إجماع العلماء منها أنّه حق لقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الّذي جاء في سنن الترمذيّ ((إنّ الله لا يجمع أمّتي على ضلالة))، وقد كان إنكار من أنكر نابع من أسباب كثيرة منها:

1ـ الجهل الّذي طالما كان عدواً للفطرة والعقل البشري الّذي أمره الله بالتفكر والبحث، فإذا كان الإنكارللحديث والسنّة لهذا السبب فوجب على أهل العلم أن ينبّهو من أنكر، ويبينوا له ما للحديث والسنّة من فضل في التشريع.

2ـ العداء للإسلام: لقد كان العداء للإسلام من أهم الدوافع للهجوم على السنّة والحديث، فهم بعدائهم للإسلام طرقوا باب السنّة والحديث بعدما فشلوا في المساس بالقرآن الكريم، فذهبوا للتشكيك بها وبمن نقلوها من الصّحابة الأجلّاء، يقول الإمام أبوعبد الرحمن النّسائي رحمه الله تعال:(إنّما الإسلام كدار لها باب فباب الإسلام الصّحابة فمن آذى الصّحابة إنّما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب إنّما يرد دخول الدّار))، وفي منهجهم في عدائهم للإسلام دخلوا من باب السنّة والحديث والعداء لهما، وأرادوا إسقاطها بإسقاط ناقليها والتشكيك بهم وبطرق نقلهم، وهيهات هيهات (والله متمّ نوره ولوكره الكافرون). (الصف آية 8).

3ـ التشكيك في عصمة النّبي صلّى الله عليه وسلّم بوصفه بشراً، وهذا أشدُّ الجهالة بعصمة الأنبياء عليهم الصّلاة والسلام، الّتي تنفي عنهم الخطأ في التشريع بعد البعثة فهو مُصطفى من البشرية ليقتدي به أتباعه، ولا ينبغي للقدوة أن يخطأ في مجال التشريع.


شارك المقالة: