بعد مرور ثلاثِ سنواتٍ على دعوة النبي مع أصحابهِ سراً دون أن يظهر ذلك تعميماً في قومهِ ، ومن دون أن يقوم المسلمون بإظهار العبادات خوفاً من ردَّة فعل قريش التعصبية، فكانوا يذهبون للصلاة في شعاب مكّة تخفياً منهم. فكانت حصيلة الدعوة سراً ما يقارب أربعين رجلاً وامرأة، مع قلّة عددهم إلّا أنّهم كانوا أقوياء جداً وقادرين على حمل رسالة دين الإسلام، وبعد ذلك نزل الوحي بقرارٍ رباني ببدأ الجهرِ بالدعوة، وبدأ دعوة الناسِ إلى هذا الدين.
الجهر بالدعوة
كان أول صدد يتعلق بهذه الدعوة هو ما أنزله الله على رسولهِ وقال عزَّ وجل:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، فكانت المناداة بالدعوة إلى أهل بيته أولاً وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو نوفل وبنو عبد شمس ( أولاد عبد مناف). ثمّ دعاهم النبي وجمعهم وقال عليه السلام:(الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأؤمن به ، وأتوكل عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له )، ثم قال: ((إن الرائد لا يكذب أهله ، والله الذي لا إله إلا هو ، إنّي رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامّة ، والله لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون ، ولتحاسبنّ بما تعملون ، وإنّها الجنة أبداً أو النار أبداً )) . فقال عمّه أبو طالب: ما أحبّ إلينا معاونتك وأقبلنا لنصيحتك وأشدّ تصديقاً الحديثك وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنّما أنا أحدهم ، غير أنّي أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به ، فوالله ، لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أنّ نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
فقال عمه أبو لهب: ((هذه والله السوأة ، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم ، فقال عمّه أبو طالب : والله لنمنعه ما بقينا)).
ولمّا بدأ عليه السلام بالجهر بالدعوة أصبح قومهُ يسخرونَ ممّا يدعو إليه، وكانوا يستهزؤن في مجالسهم على دعوته، فإذا مرَّ النبي عليهم يقولون له : هذا ابن أبي كبش يتكلم من السماء، وهذا غلام عبد المطلب يتكلم من السماء، ولم يزيدوا على ذلك .
صعود جبل الصفا
بعد أن تأكَّد النبي من حمايةِ عمّةِ أبو طالب لهُ وهو يبلغ هذا الدين، ووقتها صعد النبي على جبل الصفا ففي أعلاها صخرة، ثمّ أخذ ينادي بطونَ قريش ويدعوا قبائلهم، فلمّا سمعوا الصوت قالوا : هذا محمد ، فلمّا اجتمعوا قال النبي :(أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي بسفح هذا الجبل تريدُ أن تغيرَ عليكم أكنتم مصدقى ؟ . قالوا : نعم ، ما جربنا عليك كذباً ، ما جربنا عليك إلّا صدقاً . فقال عليه السلام:( فإنّي نذيرٌ لكم بين يديَ عذابٌ شديد، إنّما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدوَ فانطلق يربأ أهلهُ).
ولمّا أكمل النبي خطابهُ على جبلِ الصّفا وما أنذر الناس به ،فقال أبو لهب عم النبي: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا ،فنزلت آيات من سورة المسد: (تبت يدا أبي لهب وتب) .
أساليب مجابهة الدعوة
كانت قريش تتّبعُ عديداً من الطرقِ لمحاولةِ القضاءِ على هذهِ الدعوةِ فاتبعت عدَّةً من الأساليبِ ، ومن هذه الأساليب:
- السخرية والتكذيب
فكانوا يقصدون بهذا هو التخذيل وخفض القوة النفسية والمعنوية عند المسلمين، ويتهمون النبي بتهم هزيلة، وشتائم سفيهة، فأصبحوا ينادون النبي بالمجنون ويتهمونه بالسحر والكذب، وكان إذا جلس حول النبي المستضعفين من أصحابه استهزأوا بهم ، فكانوا يكثرون من هذه الأفعال القبيحة، حتى أثَّر ذلك على نفس النبي، فأنزل الله آياتِ ليثبتهُ ويستمرَ بما يقومُ بهِ من نشرِ هذا الدينِ القيّم قال عز وجل:( ولقد نعلم أنَّك يضيق صدرك بما يقولون فسبِّح بحمد ربِّك وكن من السَّاجدين واعبد ربَّك حتى يأتيك اليقين). - إثارة الشبهات وتكثير الدعايات الكاذبة
بدأت قريش بتكثيف أخبار كذب دعوة محمد وتفننوا في ذلك فقالوا عن القرآن يراها محمد باليل ويتلوها بالنهار. قالوا أحياناً : أنَّ له جنّاً او شياطين تتنزَّل عليه كما يتنزّل الجنُّ والشياطين على الكهَّان، واتهموه بالجنون . - يبعدوا الناس عن سماع القرآن الكريم
فقد كان المشركون يتعمدون إثارة الشبهات ويحولون بين الناس وبين سماع آيات القرآن الكريم وبين دعوة النبي ومن معه من أن يدعوا الناس إلى الإسلام بأيِّ طريقة ممكنة من طرد الناس وإثارة الشَّغب والتعمُّد بالغناء واللعب إذا أتى النبي للصلاة او لقراءة القرآن.