الرسول الأمي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم

اقرأ في هذا المقال


الرسول الأمي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم:

أرسل الله عز وجل نَبِيَّه الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العالمين ليكون بشيرًا ونذيرًا، وقد أَيَّده الله سبحانه وتعالى بالمعجزات العديدة والكثيرة الدالة على صدق نبيه الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، ومن تلك المعجزات هي أُمِّيَّته (أن يكون النبي محمد أمياً).
فكون النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أميًّا لا يعرف أن يقرأ ولا يكتب فهي تعتبر من أعظم الدلائل على نبوَّة سيدنا محمد، فهو النبي الكريم الذي لم يقرأ كتابًا والذي لم يكتب سطرًا والذي لم يقل شعرًا، وهو الذي لم يرتجل نثرًا، ومع ذلك يأتي بأعظم دين، والذي تحدَّى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل العرب، والذي يعتبر أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان أيضاً ومع ذلك فقد عجزوا أن يأتوا بمثل ذلك الكلام، قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم:  “وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:23)”، وقال الله عز وجل في كتابه الكريم: “{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (يونس:38)،” وأمية النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي كمالٌ في حَقِه، وهي معجزة من معجزاته العظيمة الشريفة، مع أن تلك الصفة في غيره هي وصف للنقصان.
حيث قد اعترف كفار قبيلة قريش أن القرآن الكريم لا يمكن أبداً أن يتأتى لرجل أُمي لا يعرف أن يقرأ أو أن يكتب، فحينها ادعوا أن ما جاء به سحر، وذلك في قوله عز وجل في القرآن الكريم: “{ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } (المدثر: 24)”.
ومن المواقف على ذلك في السيرة النبوية هو أن عتبة بن ربيعة عندما سمع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه قول الله تعالى: “{ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (فصلت: 1-3)، إلى أن بلغ قوله تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } (فصلت:13)، قال عتبة: حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: لا، فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم “.

وفي رواية ابن إسحاق: ” فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوا، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم”.
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه تعالى أن يكون النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمّيّا ً، ولعل من الحكمة في ذلك أن النبي الكريم محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لو كان يحسن ويعرف القراءة والكتابة، لوجد حينها الكفار والمشركون في ذلك منفذاً وحجةً للطعن في نبوته أو الريبة في رسالته عليه الصلاة وأتم التسليم، حيث قد جاء تصوير هذا المعنى في قوله سبحانه وتعالى: “{ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }(العنكبوت:48)”.
قال ابن كثير في تفسير تلك الآية الكريمة: ” قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا صفته في الكتب المتقدمة كما قال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } (الأعراف: 157)، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين، لا يحسن الكتابة، ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده، بل كان له كُتّاب يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم”، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : ” كان نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب”.
وأيضاً يقول ابن تيمية: ” وقال تعالى: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }(العنكبوت:48)، بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه، متواتر عند من غاب عنه، وبلغته أخباره من جميع الناس: أنه كان أميا لا يقرأ كتابا، ولا يحفظ كتابا من الكتب، لا المنزلة ولا غيرها، ولا يقرأ شيئا مكتوبا، لا كتابا منزلا ولا غيره، ولا يكتب بيمينه كتابا، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها، ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا، وإما أن يأخذ من كتابه، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه، ولا يقرأ مكتوبا، والذي يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ “.
حيث قد تعددت الآيات القرآنية الكريمة والتي تثبت أمية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- وترد على الكفار والمشركين والمشككين الذين يدعون أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد تعلم هذا القرآن الكريم من قراءته في كتب الأولين، ومن هذه الآيات القرآنية الكريمة قوله تعالى: “{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}(الجمعة: 2)”، وأيضاً قوله سبحانه وتعالى: “{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الأعراف: 158)”.
وقد أعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، ومن مظاهر عظمة النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن دلائل نبوته ـ رغم أنه أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكنه صاحب الحكمة البالغة، وصاحب اللسان المبين، فقد فضله الله ـ عز وجل ـ على غيره من الأنبياء والرسل ـ عليهم السلام ـ بأن الله عز وجل أعطاه جوامع الكلم.
كان النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم الكلام الموجز المختصر، والكلام القليل ذو اللفظ كثير المعاني، وهو ما يسّره الله عز وجل لنبيه الكريم من البلاغة ومن الفصاحة، وأيضاً من بدائع الحكم ومن محاسن العبارات، وهي التي لم تجتمع لأحد قبل النبي محمد ولا بعده، فكان عليه الصلاة والسلام هو أفصح الناس، وهو أعذبهم كلاماً، ونبينا أحلى الناس منطقاً، حتى أن كلام النبي محمد ليأخذ بمجامع القلوب وكلامه يأسر الأرواح، وقد شهد له بذلك كل من سمعه وتكلم معه.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ) رواه مسلم، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل، يحفظه من جلس إليه” رواه الترمذي .

قال ابن شهاب: “بلغني في جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله”.

قال سليمان النوفلي: “كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم بالكلام القليل يجمع به المعاني الكثيرة”.

وعن فصاحة النبي وبلاغته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول القاضي عياض: ” وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول ، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف .. أوتى جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله “.
لا يحتاج العلم بفصاحة النبي محمد وبلاغته صلى الله عليه وسلم إلى أي شاهد ـ رغم أنه أمي، حيث قد زكَّى الله سبحانه وتعالى قوله ونطقه فقال: “{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } (النجم: 4-3)”.


شارك المقالة: