الفدية في الصّيام

اقرأ في هذا المقال


تعريف الفدية:

الفدية في اللُّغة: جمعها فِدْيات وفِدًى، وهي على معنيين: الأول: ما يُقدَّم من مالٍ ونحوهُ لتخليص أسيرٍ أو غيره، يُقال: دفعَتْ أسرة الفتاة الفدية إنقاذًا لابنتها، والثاني: بمعنى كفّارة؛ أي ما يُقدَّم لله سبحانهُ وتعالى جزاءً لتقصير في عبادة، يُقال: صام ثلاثة أيّام فِدية، قال الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)” البقرة184″.أي؛ فداء وعِوض .
الفدية في الاصطلاح: تُعرّف بأنّها البَدل الذي يُقدّمه المُكلّف ويتخلّص بهِ من مَكروهٍ توجّه إليهِ.

وسنتعرفُ في هذا المقال على حكم الفدية، وسببها وتكررها بتكرار السنين.

حكم الفدية:

  إنّ حكم الفدية: هو الوجوب، لقوله تعالى:(وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)“البقرة:184” أي على الذين يتحمّلون الصيام بمشقَّة شديدة الفدية.
والفدية عند الحنفية: نصف صاعٍ من بُرّ، أي قيمته، بشرط دوام عجز الفاني والفانية إلىالموت.
ومدٌّ من الطعام من غالب قوت البلد عن كلِّ يوم عند الجمهور، بقدر ما فاته من الأيام.
ومصارف الفدية والنُّذور المُطلقة والكفارات والصَّدقات الواجبة: هي مصارف الزكاة.

سبب الفدية:


1. وسببها يكون العجز عن الصّيام، فتجب باتّفاق الفقهاء على من لا يقدر على الصوم بحال، وهو الشيخ الكبير والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم ويشقّ عليهما مشقّة شديدة، فلهما أن يفطرا ويطعما لكلِّ يومٍ مسكيناً، للآية السابقة: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) “البقرة:184” وقول ابن عباس: “نزلت رخصة للشيخ الكبير ولأنَّ الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء”.
والشيخ الهرم، له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزاً عن الإطعام أيضاً فلا شيء عليه، (فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها) “البقرة:286”.
وقال الحنفية: يستغفرُ الله سبحانه، ويستقبلهُ؛ أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقّه.
وأمَّا المريض إذا مات فلا يجب الإطعام عنهُ؛ لأن ذلك يؤدّي إلى أن يجب على الميت ابتداء، بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل، حتى مات؛ لأنَّ وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة.
2. وتجب الفدية أيضاً بالاتّفاق على المريض الذي لا يرجى شفاؤهُ، لعدم وجوب الصوم عليه، كما تقدَّم، لقولهِ عز وجل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) “الحج:78”
3. وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، أمّا إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، بالاتّفاق. ودليلهُ الآية السابقة:(وعلى الذين يطيقونه فدية .. ) “البقرة:184” وهما داخلتان في عموم الآية.
قال ابن عباس:”كانت رخصة الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كلَّ يوم مسكيناً، والحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا” ، ولأنَّه فطر بسبب نفساء عاجزة من طريق الخلقة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.
ولا تجب عليهما الفدية مُطلقاً عند الحنفية، لحديث أنس بن مالك الكعبي: “إنَّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام والله لقد قالها رسول الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ ، أحدهما أو كليهما” فلم يأمر بكفارة، ولأنه فِطرٌ أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة كالفِطر للمرضى.
ورأي الجمهور أقوى وأصح؛ لأنَّهُ نص في المطلوب، وحديث أنس مطلق لم يتعرض للكفارة.
4. وتجب الفدية أيضاً مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء رمضان، فأخَّره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدرِ ما فاته من الأيام، قياساً على من أفطر مُتعمداً؛ لأنّ كليهما مستهينٌ بحرمة الصوم، ولا تجب على من اتّصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو نفاس .

تكرر الفدية:

تكرَّر الفدية: لا تتكرَّر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرُّر الأعوام، وإنّما تتداخل كالحدود، والأصحُّ في رأي الشافعية: أنَّها تتكرَّر بتكرُّر السنين؛ لأن الحقوق المالية لا تتداخل.

وقال الحنفية: لا فدية بالتأخير إلى رمضان آخر، لإطلاق النص القرآني. (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر)“البقرة:184”. فكان وجوب القضاء على التَّراخي، حتى كان لهُ أن يتطوَّع، فلا يلزمه بالتأخير شيء؛ ولأنَّهُ القياس في الكفَّارات، غير أنَّه تارك للأولِى من المسارعة في القضاء.
والفدية والكفارة والنَّذر وقتها العمر كلّه، والأولى التعجيل بقدر الإمكان، وأن تكون الفدية في رمضان، لأنَّ الثَّواب فيه أكثر. ويرى الحنابلة أنَّ النّذر والكفارة واجبان على الفور؛ لأنه مقتضى الأمر.

وباقي لوازم الإفطار: أمّا إمساك بقية اليوم وعقوبة منتهك حرمة صوم رمضان فقد سبق الكلام عليهما.
وأما قطع التتابع: فهو عند المالكية لمن أفطر متعمّداً في صيام النذر والكفارات المُتتابعات كالقتل والظهار، فيستأنف، بخلاف من قطع الصوم ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدّة، فإنَّه يبني على ما كان معه. وقد عرفنا رأي بقية المذاهب الأخرى.
وأما قطع النية: فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقاً لعذر أو لغير عذر، ولزوال تحتمُّ الصوم كالسفر، وإن صام فيه، وإنَّما ينقطع استصحابها حكماً. وهذا عند المالكية الذين يكتفون بنية واحدة أول شهر رمضان.

مايلزم به الوفاء به من منذور الصوم والصلاة:

ما يلزم الوفاء به من منذور الصوم والصلاة وغيرهما:
قال الحنفية: إذا نذر الإنسان شيئاً لزمه الوفاء به بشروط أربعة:
1 – أن يكون من جنسه واجب: فلا تلزم عيادة المريض أو قراءة المولد النبوي، إذ ليس من جنسها واجب، وإيجاب الإنسان شيئاً على نفسه معتبراً بإيجاب الله تعالى، إذ له الاتّباع، لا الابتداع.
وأجاز الحنفية نذر صوم يوم العيد؛ لأنَّ صومه عندهم حرام بوصفه، لا بأصله، أي لما يترتب عليه من الإعراض عن ضيافة الله، أمّا أصل الصوم فمشروع.
2– أن يكون مقصوداً لذاتهِ، لا لغيرهِ: فلا يلزم الوضوء بنذره، ولا قراءة القرآن، لكون الوضوء ليس مقصوداً لذاتهِ، لأنّهُ شرع شرطاً لغيره، كحل الصّلاة.
3 – ألَّا يكون واجباً: فلا يصح نذر الواجبات كالصلوات الخمس؛ لأنَّ إيجاب الواجب مُحال، ولا يصحُّ نذر الوتر وسجدة التلاوة عند الحنفية القائلين بوجوبهما؛ لأنَّها واجبة بإيجاب الشارع.
4 – ألَّا يكون المنذور محالاً كقوله: لله علي صوم الأمس أو البارحة، إذ لايلزمه.
وبناءً عليه يصحُ نذر الاعتكاف، والصلاة غير المفروضة، والصوم والتَّصدُّق بالمال، والذبح، لوجود شيء من جنسها شرعاً كالأضحية. ويصحُّ كما تقدَّم عند الحنفية نذر صوم العيدين وأيام التشريق في المختار، لكن يجب فطرها وقضاؤها، وإن صامها أجزأهُ مع الحرمة.



شارك المقالة: