الفرق بين العقيدة الإسلامية والفلسفة وعلم الكلام

اقرأ في هذا المقال


رغم أنّ الفلسفة تعالج نفس المضمون الذي تعالجه العقيدة الإسلامية، إلّا أنّ الفلاسفة يزعمون أنهم يبحثون في فلسفتهم عن أصل وجود الحياة والهدف منها، والوصول إلى الطريق الصحيح، الذي يؤدي إلى السعادة في الحياة العاجلة والحياة الآجلة، وتلك هي الأمور التي تشكل الموضوع الرئيسي لكل من الفلسفة والعقيدة الإسلامية، إلّا أنه هناك اختلاف بينهما يمكن إيجاده في عدة جوانب، نذكرها في هذا المقال.

الفرق بين العقيدة الإسلامية والفلسفة وعلم الكلام:

أولاً: المصدر والمنبع:

يعتمد علماء الفلسفة وعلم الكلام في أبحاثهم ودراساتهم، على ما يتعلق بحياة الإنسان من ظروف وتقلبات، وتتحكم القيود والحدود بأبحاثهم، لتتدرج بهم وتوصلهم إلى ما هو مجهول، فقد تقربهم من درجات الكمال، أو تبعدهم عنها حسب ما هو سائد في عصرهم من ظروف وأحوال. ويتأثر علماء الفلسفة بالبيئة المحيطة بهم، لدرجة أنّ تصوراتهم وأفكارهم تنبني عليها وتظهر بصداها.

أمّا العقيدة الإسلامية فمصدرها الوحي من الله عز وجل، له حق الألوهية، وثبات كلماته بالحق ولا تبديل لها، وثبات صدق ما في هذه الكلمات التي لا يتخللها باطل ولا هباء، ولا تؤثر فيها ظروف الدنيا وأحوالها المتغيرة، وفي استقرارها في قلب الإنسان منحة طيبة، تُنير على حاملها بالعفو والمغفرة، بلا تعب ولا جهد.

ثانياً: المنهج والسبيل:

يبدأ علماء الفلسفة وعلم الكلام بفهم النفس الإنسانية، ويعتبرونها الأساس الذي سيبنون عليه دراساتهم، وركزوا على إدراك العلم بالعقل أو الحس، معتقدين أنهما الأصل الذي يقوم عليه أي علم. ويتعمّق علماء الفلسفة والكلام في الأمور الطبيعية، ثم الحسابية، ثم الأخلاق، وجعل بعضهم الأخلاق أمر فرعي لا يمكن اعتباره من الأصول؛ كونه فرع يفتقر إلى الدليل في رأيهم.

ومنهج الفلسفة والكلام لا جدوى منه، فهو منهج يُشغل الناظر فيه طيلة حياته، وقد ينتهي به إلى فقدان اليقين، واستحواذ الشبهات على تفكيره، ليصاب بالظنون المتشتتة والحيرة التي لا خلاص منها.

ولنأتي إلى منهج العقيدة الإسلامية الذي يبدأ عمله بالدعوة إلى عبادة الله تعالى وحده، فأصل العلم عند أهل منهج العقيدة والقرآن هو معرفة الله تعالى، دون الاستعانة بالحس أو البديهيات، ومن أصل هذا العلم تتفرع العلوم الأخرى، وتُستهدَف المقاصد الطيبة.

وعبادة الله تعالى وحده هي الدليل الهادي للحق، والبيّنة الثابتة والحجة المؤكدة، التي تزيد من علم الإنسان وإيمانه، وتسلّم عقله من الجهل، وتفكيره من الكفر. وعليه يكون منهج العقيدة الإسلامية في معرفة الله تعالى هي الطريق السليم الذي يقود إلى معرفة الحياة، والعلم بحقيقة النفس الإنسانية.

ثالثاً: قوة التأثير:

لا يمكن للفلسفة أن تصل للقوة التي تمتاز به العقيدة الإسلامية بسلطانها على نفس الإنسان الذي يعتنقها، فالفلسفة هي بحث عن الحقائق التي تماثل طاقة البشر فقط، ثم عرض تلك الحقائق، لتصل بهؤلاء العلماء إلى مستوى أنهم ما زالوا لا يعلمون شيئاً.

لكنّ معتنِق العقيدة الإسلامية يستمد قواه من عقيدة، أساسها المعرفة بخالق عالم بسر الحياة والوجود، فمضمون العقيدة الإسلامية حقيقة لا تضليل، ولا تزييف أو تدليس فيه. كما أن العقيدة ملزمة لصاحبها بالخضوع والتسليم، ولا تسمح له بالجدال أوالمناقضة في أحكامها، وتسيطر على نفسه في أي فكرة أخرى.

ثم تظهر آثار تلك العقيدة في ضمير الإنسان، وتنغرس في شغف قلبه، فلا يضيق بها صدره، ولا تؤثر في يقينه، أو إيمانه الذي يخترق وجدانه ويستقر في قلبه، فهي جزءاً أساسياً من حياته، ومصدر قوّته، وقوّة فكره وتفكيره في الكون.

رابعاً: الأسلوب:

العقيدة الإسلامية مُصاغة بأسلوب حيوي مميز، يُخاطب الكينونة الإنسانية بجميع حالاتها وقدراتها، يوحي بالحقائق التي يمكن فهمها بالإشارة إليها دون التعبير عنها.

أمّا الفلسفة وعلم الكلام فلهما أسلوب آخر، ينتهي بالنفس الإنسانية إلى التعقيد والجهل والجفاف، حيث يقتصر على العبارة والتعبير لإظهار الحقائق، فضلاً عن أنه يتعامل مع طرف واحد من أطراف الكينونة الإنسانية.

ولا يمكن عرض العقيدة الإسلامية بأسلوب الفلسفة وعلم الكلام، لأنّ ذلك يُطفئ النور الذي توحي به العقيدة، ويقتل إشعاعها، ويحد من بساطتها في إظهار الحقيقة.

خامساً: طريقة الاستدلال:

تختلف العقيدة الإسلامية عن الفلسفة وعلم الكلام في طريقة الاستدلال، فالعقيدة الإٍسلامية تستدل بالآيات الكونية، التي تدل على وجود الخالق ووحدانيته، دون الحاجة إلى بناء أدلة أخرى كالتي يستخدمها الفلاسفة في طرق الاستدلال لديهم.

ويمكن الاستدلال بالأدلة العقلية في العقيدة الإسلامية، التي تليق بمكانة الخالق وكماله، لكن مع الابتعاد عن قياس الشمول وقياس التمثيل؛ لعدم جواز مقارنة الخالق بالمخلوق وتسويته به.

وبالأدلة العقلية في العقيدة الإسلامية نستدل على الحق بسهولة، من خلال الإيحاء إلى الحقيقة بعبارة واحدة، تتصف بالبلاغة والإيجاز، أما الأدلة الفلسفية فتتصف بضعف الاستدلال والوصول للحق، وتؤدي إلى زيادة الحيرة والاضطراب، ويُصبح من الصعب الاستدلال بها، بسبب قدرة الخصم على إظهار عيبها، وردها بالحق.

سادساً: العطاء والجنى:

من خلال العقيدة الإسلامية يصل الفرد إلى نتائج واضحة، تؤدي به إلى معرفة الله، وفهم صفاته، وإدراك أسمائه وإحصائها، والتعرف إلى قدراته عز وجل، والإيمان بيوم القيامة، وتفاصيل الحساب والجنة والنار. أما في الفلسفة وعلم الكلام فالمقصود عندهم هدف الإيمان المجمل، الذي لا يزوّد الفرد بالعلم الواضح، ولا يعطيه تصورات مفهومة عن حياته، وتفاصيل خلقه.

ولا تلتقي العقيدة الإسلامية بالفلسفة والكلام، فهما طريقان مختلفان، ولا حاجة للتفريق بينهما، ولا يحتاج الدين الإسلامي إلى مَن يكمله فهو دين قد أكمله الخالق جل وعلا، وأقامه على الحق، وبعثه لتعديل ما اختلت استقامته من الأفكار والمعتقدات.


شارك المقالة: