القراءة في الصلاة بغير العربية

اقرأ في هذا المقال


يقول الله -سبحانه وتعالى-:”إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” (سورة يوسف:2)، وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة وفي مواضع مختلفة بأنه عربي ولا خلاف بذلك، إلا أنه يوجد مسلمين من غير العرب يصعب عليهم قراءته باللغة التي نزل بها، فهل يتم إعفاءهم من قراءة القرآن الكريم، أم هل يجب عليهم تعلم العربية، أم هل أنه لا بأس عليهم بقراءته بلغتهم؟ فهذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

القراءة في الصلاة بغير العربية

هناك أقوال مختلفة بين جمهور العلماء منهم من قال بتحريم ذلك وأن الصلاة غير صحيحة وباطلة وهذا ما قال به الشافعية والمالكية والحنابلة، وأما الحنفية فكان يرى الإمام أبي حنيفة أنه يجوز القراءة باللغة الفارسية، وبها قاس أصحابه على ذلك بجواز قراءة القرآن الكريم باللغة التركية والهندية وغيرها.

أما من صرح بتحريم ذلك وهم الشافعية والحنبلية والمالكية، فهم يروا أن القرآن الكريم لا يجوز قراءته بترجمته، لأن ما يتم ترجمته من القرآن الكريم لا يعتبر قرآناً، وأن الترجمة ليست كلام الله وقد لا توصل المعنى المقصود بالآية الكريمة التي نزلت من أجله.

رأي العلماء في القراءة في الصلاة بغير العربية

وبذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي -وهو من فقهاء المالكية- في تفسير قوله تعالى: “وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ” (سورة فصلت:44)، بأن في هذا دليل على بطلان ما قاله الإمام أبي حنيفة أنه يجوز ترجمته للفارسية؛ لأن الإعجاز لا يكون إلا باللغة العربية، وبهذه الآية دليل على أنه ليس له طريق إلا اللغة العربية.

وذكر أحد فقهاء الشافعية وهو الحافظ ان حجر العسقلاني بكتابه (فتح الباري) بقوله: ” إن كان القارئ قادراً على تلاوته باللسان العربي فلا يجوز العدول عنه ولا تجزئ صلاته وإن كان عاجزاً.

وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية -وهو أحد فقهاء الحنابلة-: “وأما الإتيان بلفظ يُبيِّن المعنى كبيان لفظ القرآن فهذا غير ممكن أصلًا، ولهذا كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يُقرأ بغير العربية، لا مع القدرة عليها ولا مع العجز عنها؛ لأن ذلك يخرجه عن أن يكون هو القرآن المنزل”

وقال أيضاً في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم): “فأما القرآن فلا يقرؤه بغير العربية سواء قدر عليها أو لم يقدر عند الجمهور، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه، بل قد قال غير واحد أنه يمتنع أن يترجم سورة أو مما يقوم به الإعجاز”

وقال في هذا الحافظ ابن حجر: “فمن دخل الإسلام أو أراد الدخول فيه فقُرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يُعرَّب له لتعريف أحكامه، أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه”.

وقال الإمام النووي: “مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب، سواء أمكنه العربية أو عجز عنها، وسواء كان في الصلاة أو غيرها، فإن أتى بترجمته في صلاة بدلاً عن القراءة لم تصح صلاته سواء أحسن القراءة أم لا، هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود”.

أما من هم على مذهب الإمام أبي حنيفة -البعض منهم- يروا أنه لا بأس في قراءته بغير العربية، ولكن من أجاز هذا يرى أنه في حال عدم قدرته على الإتيان به باللغة العربية يجوز قراءته بغير العربية، مع اتفاقهم جميعهم على أن الترجمة ليست بقرآن، بل تعتبر كما يعتبرها غير الحنفية بأنها ذكر.

وقد كان السلف الصالح يجوبون العالم حاملين معهم الدين الحنيف كما نزل، معتزين بسيادة اللغة العربية في ذلك الزمان فكان ليس لهم حاجة في ترجمته وبسبب إقبال من هم بغير العرب على تعلم ومعرفة لسان العربية.

أمثلة من القرآن الكريم بأنه عربي

1- قوله تعالى: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ” (سورة الشورى:7).

2- وقوله تعالى: “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (سورة فصلت:3).

3- قوله تعالى: “قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” (سورة الزمر:28).

4- قوله تعالى: ” وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ” (سورة الأحقاف:12).

في الختام هذا كان اتفاق جميع جماهير أهل العلم بمنع القراءة في الصلاة وغير الصلاة بغير العربية؛ لأنهم أجمعوا جميعهم على أن المترجم من القرآن الكريم ليس بقرآن، ولكن يجب احترام كل من يريد الدخول في هذا الدين الحنيف وتعليم الجميع أن نكون على منهجية سيدنا محمد-صلَِّى الله عليه وسلم- بالتعامل مع أصحاب الديانات المتنوعة مهما كانت ديانته.


شارك المقالة: