المدينة المنورة ومكانتها في القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


إنَّ كل ما يتصل بالرسول صلَّى الله عليه وسلم من مكان أو زمان أو موقع صغير يَعظم لدى أمة القرآن الكريم، لما له من صلة وثيقة ومكانة عظيمة لدى المسلمين، فكل مكان أو شخص أو زمان احتضن الرسول محمد صلَّى الله عليه وسلم احتضن جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض، ومن هذه الأماكن التي احتضنت الرسول صلَّى الله عليه وسلم المدينة المنورة، فهذه المدينة استقبلت الرسول كالأم الحنون عندما هاجر من أذى قريش من مكة المكرمة.

تعريف بالمدينة المنورة

هي أول عاصمة في الإسلام، والمكان المقدس الثاني بعد مكة المكرمة عند المسلمين، ويلقبها المسلمون بطيبة الطيبة، وأطلق عليها اسم يثرب مرة واحدة في القرآن الكريم، قال تعالى: “وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا (١٤)” (سورة الأحزاب).

وهي المكان الذي استقبل فيه الأنصار المهاجرين وتقاسموا معهم أموالهم وممتلكاتهم، حتى لا يشعروا بأنهم غرباء في المدينة المنورة، وتضم المدينة المنورة أقدم مسجدين لدى المسلمين مسجد قباء والمسجد النبوي وهو ثاني المساجد المقدسة عند المسلمين بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، وتضم المدينة المنورة مقبرة البقيع وهي المقبرة المعتمدة رسمياً لدى سكان المدينة المنورة ودفن فيها الكثير من الصحابة.

الهجرة إلى المدينة المنورة

اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة كان بوحي إلهي ليس من اختياره صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم قال: “رأيتُ في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب”، وتفسير الرؤيا عليه الصلاة والسلام كانت بصفات المدينة المنورة، فقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهاجر بالمسلمين إلى المدينة المنورة.

فبعد أن اشتد أذى قريش على المسلمين في مكة المكرمة وضيقوا عليهم في تجارتهم وعلى أموالهم وأولادهم، فلم يطيقوا الجلوس عندهم في مكة المكرمة فقرروا بتوجيه من الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة تاركين خلفهم كل ما يملكون، فخرجوا منها متفرقين، وكان أبا سلمه بن عبد الأسد هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة بعد أذى قريش له.

وعندما أذن الله عز وجل للرسول الكريم بالهجرة ذهب إلى بيت أبي بكر الصديق ظهراً متلثماً ليخبره أنه أُذن له بالهجرة، وهاجره معه صاحبه الصديق فاختبئوا في طريقهم إلى المدينة المنورة في غار ثور وكان المشركون يلحقون بهم، فأمر الله عز وجل الحمامتين أن يبنيا عشهما أمام الغار وأن يبني العنكبوت بيته، لكي يستبعد الكفار وجود الرسول صلى الله عليه وسلم وصديقه في الغار، قال تعالى: “ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”،(التوبة:40).

وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة من بعد وصول المهاجرين قبله واستقبالهم من قبل الأنصار وتقاسمهم أموالهم وبيوتهم وأشغالهم، قال تعالى: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر:9).

نزل النبي صلى الله عليه وسلم في منزل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، من بعد عروض من جميع الأنصار إلى أن تم بناء المسجد النبوي الشريف وبناء حجرات خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته.

غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إقامته في المدينة المنورة

قام الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع غزواته بعد هجرته إلى المدينة المنورة وإقامة دولة إسلامية قوية فيها فقام عليه الصلاة والسلام بسبعٍ وعشرين غزوة قام بخمس وعشرين منها بنفسه والباقي بعث جيشه، بدأت بغزوة الأبواء وانتهت بغزوة تبوك.

غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم بالترتيب

غزوة الأبواء، غزوة بواط، غزوة سفوان، غزوة العشيرة، غزوة بدر، غزوة الكدر، غزوة بني قينقاع، غزوة السويق، غزوة ذي أمرَّ، غزوة بحران، غزوة أحد، غزوة حمراء الأسد، غزوة بني النضير، غزوة بدر الآخرة، غزوة دومة الجندل، غزوة بني المصطلق، غزوة الأحزاب، غزوة بني قريظة، غزوة بني لحيان، غزوة الحديبية، غزوة ذي قرد، غزوة ذات الرقاع، غزوة فتح مكة، غزوة حنين، غزوة الطائف، غزوة تبوك.

وغزوة تبوك هي آخر عزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة وهي التي منها انطلق المسلمون للفتوحات الإسلامية في بلاد الشام، بسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسى قواعد الإسلام بعد هذه الغزوة.

أمثلة من القرآن الكريم على ذكر المدينة المنورة

ورد ذكر المدينة المنورة في القرآن الكريم أربع مرات، وهي:

1- قال تعالى: “مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) ” (سورة التوبة:120).

2- قال تعالى: “وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١)” (سورة التوبة:101).

3- قال تعالى: “مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)” (سورة التوبة:120).

4- قال تعالى: “لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (٦١)” (سورة الأحزاب:60-61).

وفي الختام إن لقيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وجعلها أول عاصمة للإسلام مكانة عظيمة في نفوس المسلمين في وقتها من المهاجرين واعتزازاً كبيراً من جهة الأنصار، لامتيازهم بأمور ذكرها التاريخ لهم لاستقبالهم لإخوانهم المهاجرين، واتصافهم بصفة الكرم ومحبتهم لجلوس النبي صلى الله عليه وسلم مع المسلمين لديهم وإقامة دولة إسلامية عظمى لديهم، وما زالت تحظى المدينة المنورة بمكانة عظيمة لدى المسلمين اليوم عند زيارتها.

المصدر: المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى،محمد السيد الوكيل،1986السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية،أكرم ضياء العمري،1994غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم،السيد الجميلى،1995تاريخ المدينة لابن شبة،عمر بن شبة،1979


شارك المقالة: