الوصية والرجوع عنها؟

اقرأ في هذا المقال


الوصية: وهي من العقود الجائزة، وليست من العقود اللازمة، مثل عقد البيع، وعقد النكاح، وبناءً على هذا فإنه يصح للموصي أن يرجع عن وصيته جميعاً كما يصح له أن يرجع عن بعضها، ويحق له أيضاً أن يُعدل فيها، ويُدخل عليها شروطاً، وقيوداً؛ لأن المال الذي أوصى به، لم يخرج من مُلكه، ما دام على قيد الحياة، فله حرية التصرف فيه كما يشاء.

كيف يكون الرجوع عن الوصية؟

يصحّ الرجوع عن الوصية باللفظ والدليل على ذلك، مثل أن يقول: نقضتُ الوصية، أو أبطلتها، أو رجعت عنها، أو فسختها، أو ما شابه ذلك فهي لورثتي. ويجوز للموصي الرجوع في الوصية، ونقضها، وزيادتها، سواء كتبت أم لا، فإذا مات الموصي فقد استقرّت وثبتت.
كما يكون الرجوع بالوصية، بتصرفٍ في الموصى به، فيُشعر بإبطال الوصية والإعراض عنها، أو يجعله صداقاً، أو يهبهُ لأحد ويدفعه إليه، أو يُرهنه بدينٍ ويسلمه للمرتهن، فجميع هذه التصرفات في الوصية تعني إلغائها، والرجوع عنها؛ وذلك لزوال ملكه في بعض هذه التصرفات عن عين الوصية، وتعريض الموصى به للبيع في البعض الأخر، كما في حالت الرهن. وبناء على ما نقول:
1- لو أوصى بحنطةٍ معينةٍ، ثم خلطها بحنطةٍ أخرى، اعتُبر هذا رجوعاً عن الوصية، لتعذّر تسليم الموصى به من بعد ما أقبل من الخلط.
.
2- إذا أوصى بصاع حنطة من صبرة، ثم خلطها بأجود منها، فيعتبر هذا منه رجوعاً عن الوصية؛ لأنه أحدث في الخلط زيادة، لم يرض بتسليمها، ولا يمكن تسليمها بغير هذه الزيادة.
3- إذا أوصى بصاع حنطة من صبره ثم خلطها بمثلها، فلا يُعد هذا رجوعاً عن الوصية، لأنه لم يُحدث تغيراً، وكذلك إذا خلطها بأردأ منها، لأنه مثل إحداث عيب في الموصى به فلا يضر.
4- إذا أوصى بحنطة فطحنها أو بذرها، أو أوصى بدقيق فعجنه، أو بقطن فغزله، أو بغزل فنسجه، أو بثيابٍ فخاطها وجميع ذلك، فذلك يسمّى رجوع عن الوصية؛ وذلك لأمرين :
أولاَ: زوال الاسم قبل استحقاق الموصى له الوصية، فكان كتلف الموصى به.
ثانياَ: الإشعار بالإعراض عن الوصية في هذه التصرفات وأمثالها.

آراء الفقهاء في الرجوع عن الوصية:

لقد توسّع الأحناف في ما يعتبرونه رجوعاً عن الوصية، بحيث انهم اعتبروا الرجوع عن الوصية، هو كلُ ما كان بالقول الصريح أو الدلالي أو ما ثبت بالضرورة.
فقد وافق المالكية الأحناف بالرجوع الصريح الواضح وبالفعل الذي يُعتبر استهلاكاً للوصية، مثل الذي يذبح الشاة الموصي بها، فهناك أمران عند المالكية للرجوع عن الوصية وهما:
الأول: هو أن الانسحاب في العطايا في هذا المذهب ليس بالأصل، ولكن هو استثناء، ولا يجوز الرجوع في الوصية؛ لأنه لا يُنفذ حكمها إلا بعد وفاة الموصي.
الثاني: أن المذهب المالكي، لا يعتبر من الأفعال أو التصرفات رجوعاً، إلا ما ينصب بجوهر الموصي به وحقيقته أو يعتبر استهلاكاً له، أو يدل على أن الموصي قصد به الرجوع عن الوصية.
ولقد خالف المالكية الأحناف في الذي يثبت ضرورة كمن أوصي بما في كرمة من العنب فيبس حتي أصبح زبيباً، فإن الوصية لا تبطل أخذاً من مذهب المالكية وهو ما ارتضاه صاحب جواهر العلام.

رأي القانون الوضعي في الرجوع عن الوصية:

لقد نظّم القانون الوضعي أحكام الرجوع عن الوصية، فقد اتفقوا مع ما ذهب إليه الفقهاء في البداية من جواز الرجوع في الوصية، ولا سيماً أن الوصية بأنها عبارة عن عقد غير لازم. كما وافق إجماعهم على الرجوع بالقول الصريح، أما الرجوع الفعلي، أو الدلالي، فلم يعتبر منه إلا ما كان استهلاكاً للموصي به أو مزيلاً لملك الموصي عنه. فهو بذلك لا يعتبر التغير الذي يلحق بالموصي به بالزيادة أو النقصان أو بالخلط، بحيث يتعذّر تميزه رجوعاً، إلا إذا دلت قرينة أو عرف على أن الموصي يقصد بذلك الرجوع.

رأي القانون العام بالرجوع عن الوصية:

وقد نصت المادة “18”من قانون الوصية على أنه يحقّ للموصي الرجوع عن الوصيّة كلها أو بعضاً منها سواء كان صراحةً أو دلالةً. ويعتبر الرجوع عن الوصية هو كل فعل أو تصرف يدل بقرينةٍ أو عرف عن الرجوع عنها، ومن الرجوع دلالة، هو كل تصرف يذيل ملك الموصى عن الموصي به.
وكذلك نصت المادة “19” من ذات القانون أنه لا يعتبر الرجوع عن الوصية هو إهمالها، ولا إزالة بناء العين الموصي بها ولا الفعل الذي يذيل اسم الموصي به، أو يغير معظم صفاته، ولا الفعل الذي يوجب فيه زيادة لا يمكن تسليمه إلا بها إذا ثبت قرينة أو عرف على أن الموصي يقصد بذلك الرجوع عن الوصية.
فتلك المادتان اتفقتا على ما ذهب إليه الفقهاء من حيث الرجوع الصحيح، وما أشار إليه الأحناف من الرجوع دلالة. وكذلك الأخذ برأي محمد من الأحناف، وهو عدم اعتبار الجحود رجوعاً عنها، والأخذ برأي المالكية في رجوع القرينة الدالة عن الرجوع أوما يُسمّى في الرجوع الدلالي وما يثبت ضرورة.


شارك المقالة: