الوضع وأثره في علم الحديث

اقرأ في هذا المقال


إنّ لهذا الدين صولات وجولات، أراد بها إثبات الحق وإزهاق الباطل، فكان لهذا الدّين أعداء أرادوا هزيمة دين الله، فحاولوا الدخول إلى زعزعة هذا الدّين من مصادره التشريعية أوّلها القرآن، وثانيها الحديث والسنّة النّبوية الشريفة، وذلك بالوضع والكذب، وإدخال ما لم يأتِ به ديننا، ولأنّ القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى، لقول الله تعالى:((إنّا نحن نزَّلنا الذكر وإنّا له لحافظون))،بقي بعيداً عن الوضع والتحريف، وأمّا السنّة النّبوية والحديث فكان أوّل باب يطرقونه أعداء دين الإسلام وأصحاب النفاق والجهل، فأدخلوا فيه الوضع بالزيادة على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما هو الوضع وحكمه؟ وما هي أسبابه؟ وماذا فعل علماء الحديث لردع الوضع في الحديث؟.

مفهوم الوضع في الحديث

الوضع في الحديث هي الزيادة المكذوبة والمختَلقة على رسول الله صلّى الله صلّى الله عليه وسلّم بوصف سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم وحي بعد القرآن الكريم، و تأكيداً لبشرية النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد دخلت الزيادة والاختلاق والكذب في حديثه صلّى الله عليه وسلّم.

حكم الوضع في الحديث

لا شكَّ في أنّ الوضع في الحديث من كبائر الذنوب، التي حذَّر منها الإسلام، بل جعلها بعض علماء الأمّة من الكفر، إذا مات الإنسان وهو على هذه الحال في اختلاق الحديث المكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات على الكفر، ومن هنا يظهر خطرالوضع في حديث النّبي صلّى الله عليه وسلّم في تغيير أحكام الشريعة وإظهار نقص لا يمكن أن يكون في نبي البشرية محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو القائل صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المتفق عليه في البخاريّ ومسلم: ((من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعدهُ من النارِ)).

بدايات الوضع في الأحاديث

لا شكَّ أنّ الوضع في الحديث النّبويّ لم يكن في عصر النّبي صلّى الله عليه وسلّم، لوجود نبيّ الرَّحمة بين الصّحابة، والصّحابة لم يقبلوا أيّ شي إلَّا برجوعهم للنّبي صلّى الله عليه وسلم، فمرجعهم الأساسي هو النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وضلّ حرص الصّحابة على التحرّي في الحديث والتحقُّق منه بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا إذا رووا الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشهدوا بعضهم البعض، وقصّة عمرالفاروق رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه في حديث الاستئذان ثابتة، عندما طلب من أبي موسى الأشعريّ شاهد على صدق حديثه، فجاء بأبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، فأخبره الفاروق بأنّة لم يتهمه بالكذب، ولكنّه خاف أن يتقوّل على رسول الله صلّى الله علبية وسلّم.

لقد بقيَ الحال في التثبت من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى أن دخلت الفرق والأحزاب، ودخول كثير من العرب وغير العرب في الإسلام، واتساع رقعة الدَّولة الإسلاميّة بالفتوح الإسلاميّة، وأصبحت مراجع الأمَّة من الصّحابة الّذين يحفظون الحديث متفرقون في الأمصار، من هنا ظهر الوضع وأصبح التحقُّق من صحَّة الحديث ونسبته أصعب ممّا كانت عليه، وينقل العلماء من أصحاب السير والعقيدة أنّ ظهور الوضع كان بعد سنة 40 للهجرة النّبويّة الشريفة، من زمن ظهور الفتنة المعروفة بين علي ومعاوية الصّحابة الأجلّاء رضي الله عنهم، وحدوث تخبُّط في استقرار الدولة الإسلامية.

الأسباب التي ساهمت في ظهور الوضع في الحديث

لقد كان للوضع أسباب دعت الوضّاعين إلى الدخول من باب حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن هذه الأسباب:

أولاً: العداء لدين الإسلام،لقد دفع عداء الزنادقة والملحدين لدين الإسلام إلى الوضع المكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثانياً: ظهور من انتصر لفرقة أو حزب سياسي بالوضع واختلاق الأحاديث المكذوبة في إثبات صحَّة مذهبه ومرجعيته، ومنهم من كانوا من المسلمين وممَّن يشهدوا بالوحدانية لكنَّ انقيادهم الأعمى لفرقهم دعاهم إلى اختلاق الحديث الموضوع لنصرة مذهبهم.

ثالثاً: التقرُّب إلى بعض وجهاء الدنيا من الذين يحبون المدح من السَّلاطين ونحوه، وكان هذا التقرُّب إليهم باختلاق الأحاديث التي تؤيِّد ما جاؤوا به هؤلاء.

جهود علماء الحديث النّبوي الشريف بمحاربة الوضع

لقد كان للحديث النّبويّ الشريف منزلة عظيمة بعد القرآن الكريم عند الصّحابة والتابعين وعلماء الحديث في الأمَّة الإسلامية، لذلك بذل المسلمون جهوداً عظيمةً في الحفاظ على ما ثبت من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومحاربة الوضع والكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّهم يعلمون أهميّة الحديث كمصدر للتشريع الإسلاميّ بعد القرآن، فمن أراد الدخول إلى الإسلام معادياً له، فسيطرق باب الحديث والسنَّة، فتوجهوا لحفظ السنة بالتدوين والتحقيق والنقل بطرق موثوقة، فلو تصفحنا كتب الجوامع وبالأخص صحيح البخاري ومسلم، لوجدنا أنّ الشيخان اتخذا منهجاً لايحتمل وجود الكذب والوضع في أحاديثهما في مصنّفاتهم، وكذلك من لحق بهم من أهل السُّنن وإن ذكروا بعض الأحاديث الموضوعة وذلك ليذكروا ضعفها ويحذروا منها، بل ظهر في الحديث النّبوي الشريف علوماً تختصُّ بأحوال رجال الحديث وأهليّتهم للرواية، هل يصلحون للرواية أم لا، ووضعوا علماً يضمّ قواعد في الجرح والتعديل لعلم الحديث يضع الحديث تحت قواعد قبول أو رفض، وهذا إنْ دلّ على شيءٍ، دلَّ على جهود متواصلة للحفاظ على الحديث النّبويّ الشريف من الوضع والكذب، وإيصاله صحيحاً كما جاء من النّبي عليه الصّلاة والسّلام.

كتب في الوضع والموضوعات

لقد ظهرت عبر تاريخ الأمَّة الإسلاميّة مصنّفات في الوضع في الحديث والموضوعات منها:

1ـ اللآلئ المصنوعة من الأحاديث الموضوعة للإمام السيوطي.

2ـ تذكرة الموضوعات لمحمّد المقدسي.

3ـالموضوعات لابن الجوزي.


شارك المقالة: