الوضع والوضاعون في الحديث الشريف

اقرأ في هذا المقال


لقد كان في رحلة طلب الحديث النّبويّ الشريف عقبات كثيرة، تعاملت معها أمّة الإسلام وأهل الاختصاص بحكمة وعلم ومنهجيّة، حتى تنقل مصدراً من مصادر ديننا الحنيف وهو حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن هذه العقبات ظهور الوضع في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخاصّة بعد وفاته عليه السّلام، فبوجوده لا وضعٌ ولا تدليس، وصحابته من ورائه حملوا حمل الدعوة كما أخذوها من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، من غير زيادة أو نقصان، ووصلت إلينا منقّحة صحيحة، فماهو الوضع في الحديث؟ وما أسبابه وما جهود العلماء لمحاربته؟.

مفهوم الوضع في الحديث

الوضع هو مفهوم يطلق على ما نسب كذباً إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقَيَّة أو خُلُقيَّة، لسبب دعوى في نظر الواضع أو لتحقيق أهداف مذهبية أو مصالح دنيوية.

حكم الوضع في الحديث

لا شكَّ بجرم من ينسب للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ما لم يقلْ، لأنَّ التغيير فيه تغيير لشرعيّة الحديث كمصدر من مصادر التشريع فيؤدِّي ذلك إلى إحلال حرام أوتحريم حلال، ونعلم كل العلم أنّ القرآن نزل غير مفصّل ، وجاء الحديث والسنّة فبينتا ما أُشكل وما هو مبهَم، فلكل هذه الأسباب نجد في الوضع مشكلة كبيرة وخطر يهاجم ديننا ومصادرة، فلذلك ذهب علماء الأمَّة إلى كفر من يضع في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنَّه أراد هدم حصن من حصون الإسلام.

جهود علماء الحديث لمحاربة الوضع

لقد قاوم علماء الحديث عبر تاريخ الأمَّة الإسلامية الوضع في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وسلكوا جميع السُّبل لإيقافه، فظهرت مناهج علماء الأمَّة في شروط قبول الرواية بإثبات اللقاء والمعاصرة عند الراوي لمن يروي عنه كما عند البخاريّ ومسلم عليهم رحمة الله ، وكانوا آجرهم الله يهاجرون أياماً وشهوراً للتأكُّد من حديث سمعوه، أو حديث انفرد به الراوي قيأتون إليه ركضاً حتى لا يفوتهم، وكانوا لا يقبلون الحديث إلّا ممّن عُلِم ضبطه وعدالته، كما كانوا يطلبون ما وضع من الحديث ليبيّنوا للناس أنَّه موضوع ولا يصح نسبته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فظهرت كتب اختصّت بمحاربة الوضَّاعين بمنهجية عالية ودقيقة.

وقد كان السبيل في أمَّة الإسلام في محاربة الوضع يتمثل في:

1ـ بيان إثم الواضع في الحديث وحرمة ذلك العمل.

2ـ كشف الوضّاعين في الحديث أمام الناس حتى لا ينقلوا حديثهم.

3ـ ظهور علم الرجال الّذي يبين أحوال رجال الحديث من حيث قبول روايتهم أو ردّها.

4ـ عدم قبول ما ينسب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم من غير إسناد صحيح.

أسباب الوضع في الحديث الشريف

لقد كان للوضع في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسباب كثيرة منها:

1ـ العداء للإسلام والدخول من باب الحديث ومن باب صحابة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وإدخال ما يجعل الحديث مشبوهاً.

2ـ نصرة بعض الوضّاعين لمذاهبهم من خلال ما يضعون من الأحاديث، وظهر ذلك جليّاً بعد وقوع الفتن في أمّة الإسلام وتفرقها إلى جماعات متناحرة بما لديها من أفكار.

3ـ الدعوة إلى الخير بالوضع، وذلك بترغيب الناس إلى أمور خير وتحذيرهم من الشر، وذلك بوضع أحاديث تفيدهم في دعوتهم ضانين أنّ هذا السَّبب يبعدهم عن إثم الوضع في الحديث.

4ـ التقرُّب إلى الملوك والسلاطين والخلفاء، والوصول إلى أغراض دنيوية.

من أسماء الوضاعين في الحديث

لقد مر َّعلى أمّة الإسلام كثيرمن الوضّاعين الّذين اشتهرت اسماؤهم وفُضِحوا عبر تاريخ الأمة الإسلاميّة المتيقظة إلى الخطر الّذي يحوم حول الإسلام ومصادره ومن هؤلاء الوضّاعين:

1ـ عبدالكريم بن أبي العرجاء.

2ـ أبو علي الأهوازي.

3ـ زكريا الوقار.

وغيرهم من الّذين عليهم من الله ما يستحقون.

واجبنا تجاه الحديث ومحاربة الوضع

إنّ الحفاظ على الحديث النّبويّ ليس مختصّاً بأمّة أو بعلماء، بل إنّه هدف لكل هذه الأَّمة التي تعتبر الحديث مرجعها بعد القرآن الكريم، فلذلك وجب علينا التأكُّد من الحديث النّبويّ الشريف وذلك بالرجوع إلى أصحاب العلم المتخصصين في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعدم أخذ ما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي التي قد يجهل أصحابها خطورة نقل الحديث الموضوع ، فيتداولون ما يصلهم ومايسمعون من غير تثبت، لذلك وجب علينا التأكد من الحديث إمتثالاً لقول الله تعالى( يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، ومن واجبات الأمّة الإسلاميّة أيضاً التوجّه لعلم الحديث ودراسته والبحث فيه ومعرفة طرق الوصول إلى الصحيح منه، والاقتداء بسلف الأمَّة في منهجهم بالمحافظة على الحديث النّبويّ الشريف ومحاربة الوضع وأصحابة.

لقد وجب على علماء الأمَّة تصحيح المفاهيم العامَّة في الدعوة إلى نشر علم الحديث الصحيح، ومحاربة الأحاديث المكذوبة وأصحابها وذلك من خلال مواقعهم، كخطباء المساجد وأئِمّتها، ومدرسوا العلم الشرعي بكافة فروعه في المدارس والجامعات وغيرها من موسَّسات الأمّة التي وجب عليها تصحيح مسار المجتمع الإسلامي بأصول ثابتة من مصادر ديننا الحنيف.

وعلى الأمّة أيضاً اتّباع مسار صحيح بمحاربة من يدعون بأحاديثهم الموضوعة وغير المفهومة بالشكل الصحيح ، والّتي تدعوا إلى التطرُّف والتشدُّد والإرهاب، وعدم الخوض في ما لا يفهم ولا يعرف مصدره والرُّجوع إلى أهل الاختصاص.


شارك المقالة: