انتقال النموذج المصرفي الأوروبي إلى البلدان الإسلامية

اقرأ في هذا المقال


امتد نظام الاستعمار في العالم الغربي للدول الإسلامية، ليصل إلى انتقال كافة النماذج في كل مجالات الحياة، ويغلب الطابع الغربي على البلد الإسلامية المستعمرة بشكل كامل، ليشمل الجانب المصرفي ويغلب الطابع المصرفي الغربي على مصرفية الدولة المستعمرة، فلنتعرّف على محاولات انتقال النموذج المصرفي للدول الإسلامية، وقيام المصارف الربوية فيها.

المصرف الغربي وبدايته في الدول الإسلامية:

بعد أن تم الانتهاء من إيجاد نظام مصرفي أوروبي متكامل، ظهرت اجتهادات وتطوّرات متنوعة أدّت إلى خروج النموذج المصرفي الأوروبي من القيود الأخلاقية والدينية، واتباع سياسات عديدة تُبرّر التعامل بالمعامات الربوية، بإيجاد أسباب تُلزم العمل بذلك، إضافة إلى المواقف العملية التي ساعدت على دعم هذا الاتجاه، مثل قيام الملوك والرؤساء بانتهاك أحكام منع الربا والتعامل به، رغم أنّه من المعاملات المحظورة في الأديان الأخرى، واستغلال مناصبهم وسيادتهم لتحقيق أهداف مالية خاصّة بهم.
ثم ظهر ما يُسمّى بالاستعمار الذي يتمثّل في استغلال الدول الأوروبية، للكشوف الجغرافية في آسيا وإفريقيا، ووصل ذلك إلى بلاد المسلمين بعد تفكك الدولة العثمانية وانهيارها، وكان ذلك في أوائل القرن العشرين. وتبدأ الدول الأوروبية بالسيطرة العسكرية، حتى تُمهّد أمامها للوصول إلى السيطرة الاقتصادية والمالية، إلى أن بدأت فروع المصارف الأوروبية بالظهور في البلاد الإسلامية، وكَثُرت المحاولات التي تدعو لإنشاء مصارف تقوم على النظام المصرفي الأوروبي في البلاد الإسلامية عام 1830م.

المحاولات الأوروبية لإنشاء المصارف الربوية في البلاد الإسلامية:

  1. البنك المصري: أُنشئ عام 1856م، وهو فرع من مصرف ربوي مركزه في لندن، يهدف لتمويل التجارة الخارجية، وانتهى العمل فيه عام 1911م.
  2. البنك الانجليزي المصري: هو فرع من بنك انجليزي افتتح عام 1864م، وكان مركزه في لندن.
  3. البنك الامبراطوري العثماني: أنشئ هذا البنك عام 1864م، وهو بنك فرنسي انجليزي، تم افتتاح فرع له في مصر، ثمّ سُمّي بالبنك العثماني عام 1935م.
  4. بنك اسكندرية التجاري: وهو بنك يوناني الأصل، أُنشئ عام 1868م في مصر.
  5. بنك الكونتوار الأهلي الباريسي: هو بنك فرنسي الأصل، بدأ العمل فيه عام 1869م وانتهى عام 1873، ثمّ عاد للعمل عام 1905م.
  6. بنك دي روما الإيطالي: هو بنك إيطالي وتم العمل على افتتاح فرع له في مصر عام 1880م.
  7. البنك الوطني المصري: وهو محاولة لإنشاء بنك وطني في مصر بطابع أوروبّي، وكان ذلك خلال فترة الثورة العربية الكُبرى.
  8. البنك الأهلي المصري: وهو بنك مصري انجليزي مشترك، أُنشئ عام 1898م، ولا زال يعمل لغاية الآن.

ومع انتهاء القرن التاسع عشر الميلادي، كان النموذج المصرفي الأوروبي قد أثبت وُجوده بعد السيطرة العسكرية، في البلاد العربية والإسلامية وفي مصر خاصّة، حيث تعرّضت مصر لأزمة اقتصادية مالية، كانت سبب رئيس في عدم مقاومة الشعب للتمرّد، الذي كان يحدث في تأسيس المصارف الربوية في بلدهم.

مواجهة المصريين للنموذج المصرفي الأوروبي:

استغلّت المصارف الأوروبية مرور مصر بأزمة مالية ونفسية، نتيجة للسيطرة الاقتصادية والمالية عليها، وتم الامتناع عن تقديم القروض من هذه المصارف للشعب المصري، فضاقت سُبل العيش على الشعب ووُضِع أمام خيارين، إمّا التعامل مع المرابين بمعاملات ربوية فادحة وخطرة، أو قيام شركات مالية تعتمد على رؤوس أموال مصرية محليّة خالصة، لتغطية حاجة المعسورين من غير إجحاف، وكان الخيار الثاني هو الأنسب، إلّا أنّهم واجهوا معارضات دينية قوية.
وبدأ عقد المحاضرات الدينية التي تحتوي على بحوث والمناقشات، لعرض الآراء الإسلامية حول مشروعية عمل هذه الشركات، ورغم محاولات إثبات عدم مشروعيتها، إلّا أنّه تم العمل على إنشاء بنك بأموال جُمعت من الشعب المصري فقط، وبدأ العمل فيه عام 1920م.

وكان محاولة مصرفية مصرية وطنية بطابع مصرفي غربي، ثمّ ظهر عدد من الشركات التي كان لها دور في تحسين المستوى الاقتصادي للدولة المصرية، والقدرة على إدارة الإمكانيات المحلية فيها، إضافة إلى تنشئة أجيال مصرية قادرة على القيام بمهمّة الإدارة المصرفية في البلاد، بعد التشكيك بقدرات العرب والمصريين خاصة من قِبل الأجانب.

إلّا أنّ إنشاء هذا البنك وقيام الشركات التابعة له قام بدور ترسيخ فطرة النوذج المصرفي الأوروبي الغربي في البلاد العربية والإسلامية، الذي يقوم على أُسس وقواعد ربوية غير منضبطة، ومخالفة للشريعة الإسلامية وأحكام الأديان الأخرى في التعامل الربوي، حتى أصبح النموذج المصرفي الأوربي في البلدان الإسلامية واقع لا مفرّ منه، والملجأ الوحيد للخروج من الأزمات المالية والاقتصادية، وخاصة التي تسبب بها الاستعمار، لإنقاذ البلاد وحماية الشعب من استغلال أصحاب الأموال.


شارك المقالة: