بناء الكعبة (بناء البيت الحرام)
الكعبة هو بيتُ الله ، وأولُ معبدٍ بُني لعبادةِ اللهِ في الأرض فقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) وعن أبي ذرٍّ قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيِّ أول مسجد وضع في الأرض قال : ( المسجد الحرام )
والكعبةُ المشرفةُ هو بناءٌ منشود فقد ثبت أنَّ من بنى الكعبة هو سيدنا إبراهيم وابنهُ سيدنا إسماعيل عليهما السلام والدليل على ذلك هو قول الله : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
وقبل أن يُبعثَ النبي عليه السلام بخمسِ سنينَ اجتاح سيلٌ كبيرٌ مكة المكرمة وجرفَ هذا السيل الكعبةَ المشرفةَ جدرانُ الكعبة فكانت على وشكِ الانهيار، وإضافة إلى ذلك فقد سُرقت الكنوز التي كانت بجوف الكعبة لأنَّ الكعبة وقتها لم تكن مسقفةً، وبعد تلكَ الحادثة، قرَّرت قريش هدمَ الكعبةِ لأنَّها كانت رضيمةً فوق القامةِ ، ولم يكن ارتفاع الكعبة عالٍ فكانت بارتفاعِ تسعةِ أذرع من عهد سيدنا إسماعيل عليه السلام ، فكانت قريش مضطرةً إلى هدمها وإعادة تجديدِ بنائها لأنَّها كانت حرصية على مكانةِ الكعبة ومحافظةً على حرمتها ايضاً.
فعقدت قريش اتفاقاً على أن لا يدخل في بناء الكعبة منهم إلَّا من كان طيباً، فلا يدخلُ فيها من كان باغياً او من يبيع الرِّبا ، فكانوا خائفين جداً من هدمها لما لها من هيبةٍ ومكانة ٍعندهم.
بدأت قريش ببناء الكعبة وكان لأسياد قريش نصيبٌ منها فقد شاركوا في بنائها فكان الأشراف منهم يحملون الحجارة على أكتافهم وأعناقهم ، وكان النبي ممن شاركوا في ذلك فقد كان ينقل الحجارة معهم والعباس ايضاً، وإنَّ الذي كان يتولَّى هذا البناء هو النجَّار الرومى ويسمَّى (باقوم) ، وقد خصَّصت جماعةٌ من العظماء لكل ركن ينقلون إليه الحجارة.
ولمَّا وصلوا إلى وضع الحجر الأسود اختلف أشراف مكَّة على من له شرف وضع الحجر الأسود في مكانهِ وتنازعوا وتنافسوا فيما بينهم على ذلك ودارت بينهم نزاعات كادت أن تصل إلى الحرب الشرسةِ، حيث دامَ النزاعُ والخلافُ والتنافس بينهم مدَّةَ أربعةِ أيام ، فكان الحُكمُ في ذلك هو أبا أمية المخزومي والذي هو أسنُّ رجال قريش سنَّاً واقترح عرضاً لهم على أن يكون الحكم بينهم هو أول من يدخل من باب المسجد ، فكان الداخل هو أشرف الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، فاطمأنوا للنبي لما كان له عندهم من الصدق والأمانة والصِّفات الرفيعة خلقاً، فقالوا:( هذا محمد هذا الأمين رضيناه ) ، وعندما أخبروا النبي بطلبهم ، طلب منهن سيدنا محمد رداء يوضع فيه الحجر وطلب من رأس كل قبيلة أن يأخذ كلُّن منهم بطرف من الأطراف ويمسكوا به وأمرهم أن يرفعوه إلى موضعه ولمَّا وصلوا إلى ذلك وضعهُ النبي في مكانهِ، وانتهت هذه المشكله التي اختلفوا عليها التى كادت أن تؤدِّي إلى حروب شرسة كبيرةٍ بينهم .
وصارت الكعبةُ بعد بنائها الجديدِ تحملُ شكل المربع تقريباً، حيث بلغ ارتفاع الكعبةِ 15 متراً، وأن طول الضِّلع الذي فيه الحجر الأسود والمقابل له يبلغ من الطول 10 أمتار، والحجر يرتفع من مكان موضعه إلى أرض المطاف 1.5 متر.
سيرة النبي قبل الإسلام
ولد عليه الصلاة والسلام يتيماً فكان يسترضع في بني سعد، ولم يرث من والده شيئاً قط ، ولمَّا بلغ من العمر ما يكون به قادراً على العمل أصبح يرعى الغنم مع إخوته من الرَّضاعة ، فكان يرعى في البادية وأيضاً عندما عاد إلى مكة كان يرعاها لأهل مكة على بعضٍ من القراريطِ ، ولكنَّهُ عليه السلام جمعَ كل الخير في طبقات الناس من ميزات ، فكان ذا رفعة من الفكرالصحيح و صاحب النظر في الطريق السليمة ، فنال الحظ الوفير من الفطنة الحسنة وتميّز بالفطرةِ الصافيةِ ، فكان عليه الصلاة والسلام بعيداً كلَّ البعد عن خرافاتِ وعاداتِ الناس السيئة ولم ينل منها أيّ نصيب أبداً، فلم يشربِ الخمر ولم يأكل ممَّا كانوا يذبحون على النصب، ولم يقدم للأوثان عيداً او احتفالاً ، على عكس ذلك تماما كان ينفر هذه العبادات ، حيث كان يكرهُ سماعَ الحلف باللات والعُزَّى.
وكان سيدنا محمد أفضل القوم مروءةً ، وأكرم الناس مخالطةً، وعُرفَ بخيرِ الجوار وأعظمَ قومهِ حلماً وكان أصدق الناس حديثاً وأمانةً ، فسمُّوا النبيّ ” الصادق الأمين ” ، وجمع الله فيهِ الأمور السديدةَ الصحيحةَ والصالحة والحميدة من الصبرِ والشكرِ والتواضعِ والعدلِ والجودِ والعفةِ و الحياءِ والشجاعةِ .
وشَهَدَ بشجاعة النبي أكثر أعداء النبي وخاصَّة ألدُّهم وهو النضر بن الحارث هو من بني عبد الدار، فكان واحداً من أشدِّ أعداء الأسلام ، يمتلك منهجاً في محاربة النبي.