تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

اقرأ في هذا المقال


تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم:

وصف الله جلا وعلا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأعلى وأفضل الأوصاف وبأكمل الصفات الكريمة، وذكر ذلك في القرآن الكريم، فقال عز وجل: “وإنك لعلى خلق عظيم “(القلم:4) وكفى بشهادة القرآن الكريم شهادة.

كما أن خلق وصفة التواضع من الأخلاق الحميدة التي اتصف بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام خافض الجناح للكبير والصغير، وأيضاً كان خافض الجناحين للقريب والبعيد، والأهل والأصحاب أيضاً وللرجل والمرأة وللصبي والصغير وللعبد والجارية وللمسلم وغير المسلم الكفار أو النصارى، فالكل في نظر النبي محمد سواء، لا فضل عند النبي لأحد على آخر إلا بالعمل الصالح.

حيث أبلغ ما تتجلى به صور تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عند حديثه عن تحديد وتوضيح رسالته وتعيين غايته في هذه الحياة؛ فرسالة النبي الكريم محمد ليست رسالة دنيوية تطلب ملكًا أو أنها تبتغي حُكمًا أو أنها رسالة تلهث وراء المناصب، بل أنها رسالة نبوية أخروية (للأخرة)، منطلقها الأهم الأول والأخير هو رضا الله سبحانه، وغاية هذه الرسالة هي إبلاغ الناس برسالة دين الله الإسلام.

النبي محمد لا يحب المدح من أصحابه:

وقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كثير القول: “إنما أنا عبد الله ورسوله”، فالنبي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء هو عبد لله عز وجل، مقر لله عز وجل بهذه العبودية، وهو خاضع لله عز وجل في كل ما يأمر به وكل ما ينهى عنه؛ ثم هو بعد ذلك مرسول من الله عز وجل إلى الناس كافة.

والذي يوضح ويظهر ذلك الجانب من تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو ما أخبر به رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، بقوله عليه الصلاة والسلام: “يا عائشة ! لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني مَلَك، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت نبيًا عبدًا، وإن شئت نبيًا ملكًا، قال: فنظرت إلى جبريل، قال: فأشار إلي، أن ضع نفسك، قال: فقلت: نبيًا عبدًا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا، يقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد” رواه الطبراني وغيره.

حيث إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يرض أبداً لنفسه أن يتصف بغير الوصف الذي وصفه الله عز وجل به، وهو وصف العبودية لله وحده لا شريك له، وأنه رسول من الله مبلغ عن الله، وليس للنبي الكريم محمد غاية غير ذلك مما يتطلع إليه الناس، ومما يتسابقون إليه.

وكما أظهر ووضَّح النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم غايته في هذه الحياة الدنيا ورسالته عليه الصلاة والسلام، فهو أيضًا قد وضح وأظهر مكانته بين الأنبياء وأيضاً منزلته بين الرسل، فكان من تواضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن النبي الكريم محمد لم يقبل من أحد أن يفضله على أي أحد من الأنبياء والرسل، مع أن القران الكريم قد أثبت التفضيل بين الأنبياء والرسل ذلك في قول الله سبحانه وتعالى: “تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض (البقرة:253)، وما كان ذلك إلا لتواضع سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد ثبت أن أحد الرجال من المسلمين ورجلاً من رجال اليهود قد سب كل واحد منهما الآخر، فقال الرجل المسلم للرجل اليهودي: “والذي اصطفى محمدًا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك وضرب اليهودي على وجهه، فذهب ذلك الرجل اليهودي إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأخبره النبي بما حدث، فدعا النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلم، فسأله النبي عن ذلك، فأخبره الرجل بالذي جرى، فطلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من صحابته الكرام ألا يفضلوه على أي أحد من الأنبياء والرسل، وأخبر النبي صحابته الكرام عن منـزلة سيدنا موسى عليه السلام، وأن سيدنا موسى يوم القيامة يكون مع النبي ويكون من أول الذين تنشق عنهم الأرض في يوم القيامة”. والحديث في الصحيحين.

علاقات النبي الأسرية:

وفي الجانب الآخر يظهر تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في علاقات النبي الأسرية مع أهله، وكذلك أيضاً في علاقات النبي محمد الاجتماعية مع جميع الناس من حوله؛ أما عن تواضع النبي محمد مع أسرته الكرام، فخير من يحدثنا عن ذلك الجانب هي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، تقول رضي الله عنها وقد سألها سائل: “ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت: ( يكون في خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة )”.
وفي رواية عند الترمذي قالت رضي الله عنها: ” كان بشرًا من البشر، ينظف ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه “. فالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقوم بتنظيف حاجاته بنفسه عليه الصلاة والسلام، وكان يشارك أهله في أعمال بيته، وكان صلى الله عليه وسلم يجلب ويأتي بحاجاته من السوق بنفسه مع أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خير الخلق أجمعين.

تواضع النبي محمد مع أصحابه:

وأما تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام رضوان الله عليهم ومن حوله، فكانت هناك الكثير والعديد من المواقف ويكفي أن تعلم في هذا المقام أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار، وهي عبارة وسيلة للنقل في ذلك الوقت من الزمان، ليس ذلك فحسب، بل كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يحمل خلفه على دابته من كان لا يملك أي وسيلة نقل تنقله.

ومن مظاهر تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن النبي محمد لم يكن يرضى من أي أحد أن يقوم له وذلك تعظيمًا لشخص النبي، بل إن النبي الكريم كان ينهى أصحابه اكرام عن فعل هذا الفعل؛ حتى إن الصحابة الكرام رضوان الله عنهم مع شدة حبهم للنبي، لم يكونوا يقومون للنبي إذا رأوه قادمًا وما كان ذلك إلا لعلمهم أن النبي كان يكره ذلك الفعل. 

ولم يكن تواضع سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام صفة له مع صحابته الكرام فقط، بل كان هذا خُلُقًا أصيلاً فيه، وكان ذلك الخلق يتجلى مع الناس جميعًا، حيث يبين ذلك أنه لما جاء إليه عدي بن حاتم ليعرف حقيقة دعوة النبي، دعاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيته، حينها ألقت إليه الجارية وسادة حتى يجلس عليها، فجعل صلى الله عليه وسلم الوسادة بينه وبين عدي بن حاتم، ومن ثم جلس على الأرض. فقال عدي: “فعرفت أنه ليس بملك”.

وكان من تواضع سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أنه كان يجلس مع أصحابه الكرام كواحد منهم، حيث لم يكن النبي يجلس مجلسًا يميزه عن من حوله، حتى إن الشخص الغريب الذي لا يعرف النبي، إذا دخل مجلسًا وكان النبي فيه، لا يستطع أبداً أن يفرق بين النبي محمد وبين أصحابه الكرام، فكان الغريب يسأل: “أيكم محمد ؟”

ومما يدل على تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن النبي الكريم محمد لم يكن يرد أي هدية تهدى إليه، مهما قلَّ شأن تلك الهدية، ومهما كانت قيمة تلك الهدية، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتكبر على أي طعام يدعى إليه مهما كان ذلك الطعام بسيطًا، بل كان عليه الصلاة والسلام يقبل هذا وذاك بكل احترام تواضع، وبكل رحابة صدر، وبكل طلاقة وجه.   

ومن أبرز مظاهر تواضع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ما نجده في تعامل النبي مع الضعاف من الناس من الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات من النساء، والصبيان، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يرى عيبًا في نفسه أن يمشي مع العبد مثلاً ، أو الأرملة، أو المسكين، حيث كان يمشي معهم ليواسيهم ويساعدهم في قضاء جميع حوائجهم. بل فوق كل ذلك كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا مر بالصبيان والصغار يداعبهم بكلمة طيبة ويلاطفهم بلمسة حانية.   

ومن صور تواضع النبي الكريم محمد في علاقاته الاجتماعية، أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان إذا مشى مع جماعة من أصحابه الكرام، مشى خلفهم، وذلك حتى لا يتأخر عنه أي أحد، وحتى يكون الكل تحت نظره ورعايته عليه الصلاة والسلام، فيحمل عليه الصلاة والسلام الضعيف على دابته، ويقوم بمساعدة صاحب الحاجة في قضاء ما يحتاجه.


شارك المقالة: