أسباب جمع القرآن في عهد عثمان
الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان امتدَّت حتى أنَّه تمَّ السماح للقرشيين بالانتشار في الأمصار، مع أنَّ الفاروق كان قد منعهم وأبقاهم في المدينة المنورة .
فأهل دمشق أخذوا عن سيدنا المقداد بن الأسود رضي الله ، وكان أهل الكوفة وأهل البصرة قد أخذوا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .
وقرأ الكثير من أهل الشام بقراءة أبي بن كعب رض الله عنه، حيث كانت وجوه القراءة التي يؤدون بها القرآن مختلفة كل على حسب الحروف التي نزلت به فقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم” نزل القرآن على سبعة أحرف ” فبدأ الاختلاف يحدث بين صفوف المسلمين، حتى كادت تحدث فتنة بين المسلمين.
ومن المعروف أنَّ المصاحف كانت مجموعة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان يسمَّى
(بالمصحف الامام ) وكان مُعتمد عند الخلفاء الراشدين رضوان الله عنهم، مع اعتبار مراعاة ترتيب السُّور والآيات في جميع النسخ، بالإضافة إلى وجود الأصل في الترتيب، ووجود الرَّسم القرآني الموافق لوجوه القراءات وأحرف القرآن السبعة التي نزل بها القرآن، وتمَّ إرسال جميع النسخ الى الأقطار والأمصار، لكي يجتمع عليها الناس، وكانت هي المرجع في قراءة القرآن من حيث اللفظ والأداء، وهذه منهجية قوية في حسم مادة الخلاف والنزاع والشقاق، ففي ذلك الأمر لا يبقى للعجمة واللهجات المختلفة من سبيل .
فقد أخرج الإمام البخاري بسنده إلى سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ حذيفه بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة رضي الله عنه لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: أدرك هذه الأمَّة قبل أن يختلفوا في الكتاب، اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها : أن أرسلي إلينا بالصُّحف ننسخها في المصاحف ثمَّ نردُّها إليك، فأرسلت بها حفصة رضي الله عنها الى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصَّاحف، وقال عثمان رضي الله عنه للرهط القرشيين الثلاثة ” إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنَّما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصّحف إلى السيدة حفصة رضي الله عنها وأرسل إلى كل أفق بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة او مصحف أن يحرق.
ففي هذا الحديث الذي يرويه الإمام البخاري بسنده يخبرنا ما هي المنهجية التي قام فيها عثمان بن عثمان رضي الله عنه من خدمة وجمع لكتاب الله، وما هي الدَّوافع لذلك .