إنَّ ليومِ القيامَةِ أهوالُهُ الَّتي أخبرنا عنْها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكانَ عليهِ السَّلامُ يكثِرُ التذكيرَ بِها لِعَظِمِها، ومنْه يومُ الحشر، عندَما يحشُر اللهُ الخلائقَ في أرضِ المَحشرِ، وسنعرضُ حديثاً فيمنْ يكونونَ في ضلِّ اللهِ في هذا الموقف العظيم.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ في الصَّحيحِ: ((حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ بشَّارٍ، حدَّثَنا يحيى، عنْ عبيدِ اللهِ، قالَ: حدَّثَني خُبيبُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، عنْ حفصِ بنِ عاصِمٍ، عنْ أبي هريرَةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ( سبعَةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظلِّهِ يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّهُ، الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نشأَ في عبادَةِ اللهِ، ورجلٌ قلبهُ مُعلَّقٌ في المساجِدِ، ورجلانِ تَحابَّا في اللهِ؛ اجْتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ طلبَتْهُ امْرأةٌ ذاتُ منْصِبٍ وجمالٍ فقالَ: إنِّي أخافُ اللهَ، ورجُلُ تصدَّقَ أخفَى حتَّى لا تعلَمَ شِمالُهُ ما تنفقُ يمينُهُ، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خالياً ففاضتْ عيناهُ). رقمُ الحديث: 660)).
ترجمة رجالِ الحديث:
الحديثُ يرويهِ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ إسْماعيلَ البُخاريُّ في الصَّحيحِ في كِتابِ الأذانِ، بابُ منْ جلَسَ في المسجِدِ ينتظرُ الصَّلاةَ، كما أورَدَهُ في بابِ الزَّكاةِ، بابُ الصَّدَقَةِ باليمينِ، وأما رجالُ الحديثِ فهُمْ:
- محمَّدُ بنُ بشَّارٍ: وهوَ مُحمَّدُ بنُ بشَّارٍ الملقَّبِ بـ”بندارٍ”، منَ المُحدِّثينَ منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ،المولودِ في 169هـ، والمتوفّى في 252 هـ.
- يحيى: وهو يحيى بنُ سعيدِ بنِ فرُّوخٍ القطَّانُ، منْ أتباعِ التَّابعينَ، (120هـ ـ 189هـ).
- عبيدُ اللهِ: وهو عبيدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ حفصِ بنِ عاصِمِ بنِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ، منَ أتْباعِ التَّابعينَ، توفيَّ في 145هـ.
- خبيب بن عبد الرَّحمنِ: وهو خُبيبُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ اللهِ الأنْصاريُّ الخزرجيُّ، منْ كبارِ أتْباعِ التَّابعينَ، وكانتْ وفاتُه في 132هـ.
- حفص بن عاصم: وهوَ جدُّ عبيدِ اللهِ المذكورِ وهوَ منْ التَّابعينَ، وكانتْ وفاتُهُ في التسعينَ منَ الهجرَةِ.
- أبي هريرةَ: وهو عبدُ الرَّحمنِ بنِ صخرٍ الدُّوسيِّ، منْ كبارِ الصَّحابَةِ المكثرينَ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى منْ يستظلُّونَ بضلِّ اللهِ تعالى يومَ القيامَةِ، والظِّلُ يرمزُ إلى الملكِ للهِ، أمَّا منْ يستظلُّونَ بضلِّهِ فهم:
- الإمامُ العادلُ: وهو منْ أُمِّرَ على رعيَّةِ فكانَ رحيماً بهمْ، حكماُ مُقسطاً، لا يجورُ على أحدٍ، يعيدُ المظالِمَ إلى أصحابها.
- شابٌّ نشأ في عبادة الله: وهو منْ تركَ الدُّنْيا وملذّاتِها في عصرِها وزمنها وهي فترةُ الشَّبابِ وانقطَعَ لعبادَةِ اللهِ مُخلصاً ذلكَ للهِ عزَّ وجلَّ، وتكريمُهُ جاءَ منْ مجاهدَتِهِ لنفسهِ وفراره إلى اللهِ.
- رجلُ قلبه معلَّقٌ في المساجد: وهو منْ تعلَّقَ بالصَّلاةِ فيها ينتظرُ الصَّلاةَ بعدَ الصَّلاةِ، ومنَ المعلومِ أنَّ الإلتزامَ بالصَّلاةِ دليلُ على الإيمانِ وتركِ المعاصِي، والصَّلاةُ ناهيةٌ عنِ الفحشاءِ والمنكَر، فجاءَ جزاؤهُ بانَ يكونَ منَ السَّبعةِ.
- رجلانِ تحابَّا في اللهِ: وهما منْ كانتْ صُحبَتُهُما في رضوانِ اللهِ وعبادَتِهِ، يأمُرونَ بعضَهُما بالمعروفِ، وينهيانِ عنِ المُنْكَرِ، فكانتْ تلكَ العلاقَةُ في حُبِّ اللهِ وطاعتِهِ، فيجتمعانِ على حبِّ اللهِ ويتفرَّقا على هذه الطَّاعَةِ العظيمَةِ.
- رجلٌ طلبتهُ إمرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال إلى نفسها فاستَعصمَ ونهى نفسه عنِ المعصيَةِ: وهذا كانَ منَ السبعَةِ لتركِهِ ملذَّاتِ الدُّنيا وفتنتها خوفاً منَ اللهِ، مع شدِّةِ تأثيرها.
- رجلٌ تصدّق بيمينهِ مخفٍ ذلكَ عنْ شمالِهِ: وهو منْ جاءَ بالصَّدَقِةِ سراً بعيداً عنِ الرِّياءِ والنِّفاقِ، مبتغٍ في ذلكَ وجهَ اللهِ عزَّ وجلَّ ورضوانَهُ.
- رجلُ بكَّاءُ في الخلواتِ: وهو منْ تعلَّقَ قلبه بالطَّاعةِ، يخافُ عقابَ اللهِ، يستشعرُ مراقبَتَهُ لهُ في كلِّ حينٍ، فإذا خلا معْ نفسِهِ تذكَّرَ، فرقّّ قلبهُ فبكى منْ خشيةِ الله.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الدُّروسِ والعبر المستفادةِ منَ الحديث:
- الراعي عليهِ أنْ يتقِّ اللهَ في الرَّعيةِ.
- ثوابُ الصَّدقَةِ بإخلاصها للهِ في السِّرِّ.
- الصحبةُ تكونُ في طاعةِ اللهِ والبعدِ عنْ معصيته.
- البعدُ عنْ ملذاتِ الدُنيا عبادَةُ للهِ تعالى.
- ثوابُ الصَّلاةِ في المساجدِ ومافيها منْ خيرٍ عظيمٍ في تقويمِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ.
- البكاءُ منْ خشيةِ اللهِ منْ صفاتِ المؤمنينَ.