لقدْ جاءَ الإسلام ليهذّب النّفسَ البشريّة ويحثّها على الصّلاحِ، كما دعا إلى اختيار الرّفيق الصّالح الّذي يدعوا إلى الصّلاح، وترك الرفيق السيء والجليسِ السيء لما في صحبته منَ الانقياد إلى المعاصي، وقدْ ذكر عليه الصّلاة والسّلام مثالاُ للرّفيق الصّالح والرفيق السيئ في الحديث النّبوي، فتعالوا نستعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ يرحمهُ الله في الصّحيح: ((وحدّثنا محمّدُ بنُ العلاء الهمدانيُّ ـ واللّفظُ له ـ حدّثنا أبو أسامةَ، عنْ بريدٍ، عنْ أبي بردةَ، عنْ أبي موسى، عنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال: “إنّما مثلُ الجليسِ الصّالحِ والجليسِ السوء، كحاملِ المسكِ ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ إمّا أنْ يُحذيكَ وإمّا أنْ تبتاعَ منهُ، وإمّا أنْ تجدَ منهُ ريحاً طيبةً، ونافخُ الكيرِ إمّا أنْ يحرقَ ثيابكَ وإمّا أنْ تجدَ منهُ ريحاً خبيثةً”)). رقمُ الحديث: 146/2628.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ البرّ والصّلةِ، بابُ: (استحباب مجالسة الصّالحينِ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي موسى الاشعريِّ رضي اللهُ عنهُ، وهوَ عبدُ اللهِ بنُ قيسٍ الاشعريُّ، منَ المكثرينَ في رواية الحديث منَ الصّحابةِ، أمّا بقيَّةُ المحدّثينَ في السّندِ:
- محمّدُ بنُ العلاء: وهوَ أبو كريبٍ، محمد بن العلاء الهمدانيّ (161ـ247هـ)، وهوَ منْ ثقات الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- أبو أسامةَ: وهوَ حمّادُ بنُ أسامةَ بنِ زيدٍ القرشيُّ (121ـ201هـ)، وهوَ من ثقات المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- بريدٌ: وهوَ أبو بردةَ، بريدُ بنُ عبدِ الله بنِ أبي بردةَ الأشعريُّ، وهوَ منْ رواة أتباع التّابعينَ.
- أبو بردةَ: وهوَ أبو بردةَ بنُ أبي موسى الاشعريُّ (ت: 103هـ)، وهوَ منْ ثقات المحدّثينَ منَ التّابعينَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى استحباب مجالسة الصّالحينَ منْ عبادِ الله تعالى، والبعدِ عنْ مجالسة أصحابِ السوء، وقدْ ذكرَ النّبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ مثلاً للرفيق الصالح بحاملِ المسكِ وهوَ بائعُ العطرِ، ومجالستهُ يستفادُ منها إمّا بكسب العطرِ أوشمّ الرّائحة الطّيبة، وهذا لما يكونُ منْ مجالسة الصّالحينَ والاستفادةِ منهم بأعمالٍ تقرّب المسلمَ إلى الله، كما ضربَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ مثلاً لرفيق السوء بنافخِ الكيرِ وهوَ الحدادُ الّذي ينفخُ في النّارِ لإشعالها، وهذا لا يستفادُ منهُ بشيءٍ إلّا أنْ يحرقَ الثّيابِ أو كسب الرّائحةِ الكريهة منهُ، وفي هذا المثال دلالة على ما يأتي منْ مجالسة غير الصّالحينَ منْ كسبٍ للمعاصي والآثام.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- استحباب مجالسة الصّالحينَ لما في صحبتهم منَ الخير الوافرِ.
- الابتعاد عنْ رفقاء السوءِ لما في صحبتهم منَ المعاصي والآثام.