لقدْ وضعَ الإسلامُ منَ الأحكامِ ما يوجبُ الأمانةَ في حملِ المسؤوليّةِ، وانْ يتّقِ الموظّفُ والعامل اللهَ في عملهِ، فلا يأخذُ حقَّ أحدٍ، ولا يأخذُ أكثرَ منْ حقّهِ، وقدْ نهى رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ أنْ يأخذوا ما يسمّى بالهدايا المقدّمةِ للمسؤولِ في عملهِ، والّتي لولا منصبهُ ما قدّمتْ لهُ، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث
روى الإمام البخاريُّ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا محمّدٌ، أخبرنا عبْدةَ، حدّثنا هشامُ بنُ عروةَ، عنْ أبيهِ، عنْ أبي حُميدٍ السّاعديِّ، أنّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ استعملَ ابنُ الأُتَبِيّةِ على صدقاتِ بني سليمٍ، فلمّا جاء إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ وحاسبهُ، قال: هذا الّذي لكمْ، وهذهِ هديّةٌ أُهديتْ لي. فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: “فهلّا جلستَ في بيتِ أبيكَ وبيتِ أمّكَ حتّى تأتيكَ هديتكَ، إنْ كنتَ صادقاً؟” ثمَّ قامَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ فخطبَ النّاسَ، وحمدَ اللهَ وأثنى عليهِ، ثمَّ قال: أمّا بعدُ، فإنّي أستعملُ رجالاً منكمْ على أمورٍ ممّا ولّاني اللهُ، فيأتي أحدُكمْ فيقولُ هذا لكمْ وهذهِ هديّةٌ أُهديتْ لي. فهلْ جلسَ في بيتِ أبيه وبيتِ أمّهِ حتّى تأتيهُ هديّتهُ إنْ كانَ صادقاً؟ فوالله لا يأخذُ أحدكمْ منها شيئاً ـ قالَ هشامٌ: بغيرِ حقّهِ ـ إلّا جاءَ اللهَ يحملهُ يومَ القيامةِ، ألا فلأعرفنَّ ما جاءَ اللهَ رجلٌ ببعيرٍ له رغاءُ، أوْ ببقرةٍ لها خوارٌ أوْ شاةٍ تيعرُ”. ثمَّ رفعَ يديهِ حتّى رأيتُ بياضَ إبطيه: “ألا هلْ بلّغتُ”)). رقمُ الحديث: 7197.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الأحكامِ، بابُ محاسبةِ الإمام عمّالهُ، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي حميدٍ السّاعديِّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ منْ رواةِ الحديث منَ الصّحابةِ عنْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم، وبقيّةُ رجالِ السّندِ همْ:
- محمّدٌ: وهوَ أبو عبدِ الله، محمّدُ بنُ سلامِ بنِ الفرجِ السّلميُّ (162ـ225هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديث منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- عبدةُ: وهوَ أبو محمّدٍ، عبدةُ بنُ سليمانِ الكلابيُّ (120ـ187هـ)، وهوَ منَ الثّقاتِ في الرّوايةِ منْ أتباع التّابعينَ.
- هشامُ بنُ عروةَ: وهوَ أبو المنذرِ هشامُ بنُ عروةَ بنِ الزّبيرِ الأسديُّ (61ـ144هـ)، وهوَ منَ المحدّثينَ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
- أبو هشام: وزهوَ أبو عبدِ اللهِ، عروةُ بنُ الزّبيرِ بنِ العوامِ الأسديُّ (23ـ94هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقات في رواية الحديثِ عنِ الصّحابةِ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى حكمْ منْ أحكامِ الإسلامِ في مسؤوليّةِ الرّاعي، وهي النّهي عنْ قبولِ الهدّيّةِ للمسؤولِ منَ الّذينَ يحكمونَ لهمْ، وقدْ أشارَ الحديثُ إلى قصةِ بنِ الأتبيّةِ الّذي ولّاهُ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ على الصّدقاتِ في بني سُليمٍ، ولمّا جاءَ بهِ للمحاسبةِ وعرَفَ بقبولهِ الهدّيّة غضبَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ وقام فخطبَ في ذلكَ بيّنَ له حرمةَ ذلكَ، وذلكَ لأنّهُ ما أعطيَ الهديّةَ إلا لمنصبهِ وحكمهِ، وأنّ هديّتهُ سيأتي بها اللهَ يومَ القيامةِ يحملها وزراً، كما يشيرُ الحديثُ إلى جوازِ الزّجرِ والتّاديبُ بالكلامِ لمنْ فعلَ ذلكَ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائد منَ الحديث:
- النّهي عنْ قبولِ الهديةِ للعاملِ ممّنْ ولّيَ عليهم.
- وجوبُ التّقوى في حمل المسؤوليّة.