لقدْ كانَ في الإسلامِ الأحكامَ الّتي تنظّمُ حياةَ المسلمِ داخلَ الأسرةِ، وقدْ بيّنَ حقوقهم وواجباتهمْ، وخاصةً تجاهَ الآباءِ الّذينَ لهمْ منَ الإحسانِ الواجبِ، وقدْ حرّمَ على الأبناءِ عقوقهمْ، وأنْ ينتسبوا إلى غيرهمْ، وقدْ وردَ في الحديثِ ما يحرّمُ الانتسابَ إلى غيرِ الآباء، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمُ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثني عمرو النّاقدِ، حدّثنا هُشيمُ بنُ بشيرٍ، أخبرنا خالدٌ، عنْ أبي عثمانَ، قال: لمّا أدّعيَ زيادٌ، لقيتُ أبا بكرةَ، فقلتُ لهُ: ما هذا الّذي صنعتمْ؟ إنّي سمعتُ سعدَ بنَ أبي وقّاصٍ يقولُ: سمعَ أذنايَ منْ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، وهوَ يقولُ: “منِ ادّعى أباً في الإسلامِ غيرَ أبيهِ يعلمُ أنّهُ غيرَ أبيهِ، فالجنّةُ عليه حرامٌ” فقالَ أبو بكرةَ: وأنّا سمعتهُ منْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ)). رقمُ الحديث:114.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الإيمانِ، بابُ: (حالُ إيمانِ منْ رغبَ عنْ أبيهِ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيّينِ الجليلينِ سعدِ بنِ أبي وقّاصٍ وأبي بكرةَ نفيعِ بنِ الحارثِ الثّقفيِّ رضيَ اللهُ عنهما، وهما منْ رواةِ الحديثِ منَ الصّحابةِ، وبقيّةُ إسنادِ الحديثِ منَ الرّجالِ:
- عمرو النّاقدُ: وهوَ أبو عثمانَ، عمرو بنُ محمّدٍ البغداديُّ (ت: 231هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ الثّقات منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- هشيمُ بنُ بشيرٍ: وهوَ أبو معاويةَ، هُشيمُ بنُ بشيرِ بنِ القاسمِ السّلميّ (104ـ183هـ)، وهو منَ المحدّثينَ الثّقاتِ منْ أتباع التّابعينَ.
- خالدٌ: وهوَ أبو المنازلِ، خالدُ بنُ مهرانَ الحذّاءُ البصريُّ (ت: 141هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ أتباع التّابعينَ في رواية الحديث.
- أبو عثمانَ: وهو عبدُ الرّحمنِ بنُ ملَّ النّهديُّ (ت: 100هـ)، وهوَ منْ كبارِ ثقات المحدّثينَ منَ التّابعينَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى حكمٍ منْ أحكامِ الإسلامِ وهوَ تحريمُ الانتسابِ إلى غير الأب الحقيقيِّ في الإسلامِ، وقدْ ذكرَ رجالُ الحديثِ ما بيّنهُ النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّمَ في حادثةِ انتسابِ الصّحابيِّ الجليلِ زياد بنُ أبيهِ إلى أبي سفيانَ في عهدِ معاويةَ، وقدْ بيّنَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ أنّ الجنّةَ حرامٌ على منْ ادّعى إلى غير الأبِ في الإسلامِ، وقدْ بيّنَ أهلُ العلمِ في ذلكَ أنّ معناهُ محمولٌ على أنّ الجنّةَ حرامٌ عليه عندما يدخلها السّابقونَ إليها، وقيلَ أنّه منْ أهلها إذا استحلَّ ذلكَ وهوَ يعرفُ حرمتهُ، والله تعالى أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائد منَ الحديث:
- حفاظُ الإسلامِ على الأنسابِ.
- حرمة انتساب المسلم إلى غير أبيه.