لقدْ جاء الإسلامُ مهذّباً للنّفسِ البشريّةِ ومخلّصاً لها منَ الإنقيادِ لغير الله عزّ وجلّّ، وجاءَ فأبطلَ كلّ دعوى الجاهليةِ منَ العاداتِ السّيئةِ وما لا يطابقُ العقلَ البشريّ، ومنْ عاداتِ الجاهليّة الّتي أبطلها الإسلامُ النّياحة وشقّ الجيوبِ على الميّت، وسنعرضُ حديثاً في ذلك.
الحديث
أوردَ الإمامُ التّرمذيُّ يرحمهُ اللهُ في السّنن: ((حدّثنا محمّدُ بنُ بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عنْ سفيانَ، قال: حدّثني زبيدٌ الإياميُّ، عنْ إبراهيمَ عنْ مسروقٍ، عنْ عبدِ اللهِ، عنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمّ، قال: “ليسَ منّا منْ شقَّ الجيوبَ وضربَ الخدودَ، ودعا بدعوى الجاهليّة”)). حكمُ الحديثِ صحيحٌ ورقمهُ: (999).
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ النّبويُّ المذكورُ أوردهُ الإمامُ أبو عيسى، محمّدُ بنُ عيسى بنِ سورةَ التّرمذيُّ في الجامع الصّحيح، في أبوابِ الجنائز عنْ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، بابُ: (النّهيُ عنْ ضربِ الخدود وشقّ الجيوب)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ عبدِ الله رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ عبدُ الله بنُ مسعودِ بنِ غافلٍ الهذليُّ، وهوَ منَ المكثرينَ في رواية الحديثِ منَ الصّحابةِ، أمّا بقيّةُ السّندِ منْ رجاله:
- محمّدُ بنُ بشّارٍ: وهوَ أبو بكرٍ، بندارُ، محمّدُ بنُ بشّارٍ العبديُّ (167ـ252هـ)، وهوَ منْ ثقات رواية الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- يحيى بنُ سعيدٍ: وهوَ أبو سعيدٍ، يحيى بنُ سعيدِ بنِ فرّوخ القطّانُ (120ـ198هـ)، وهوَ راوٍ ثقةٌ منْ أتباع التّابعينَ.
- سفيانُ: وهوَ أبو عبدِ الله، سفيانُ بنُ سعيدِ بنِ مسروقَ الثّوريُّ (97ـ161هـ)، وهوَ منْ ثقات الرّواة المحدّثينَ منْ أتباع التّابعين.
- زبيد الإيامي: وهوَ أبو عبدِ الرّحمنِ، زبيدُ بنُ الحارثِ الإياميُّ (ت: 122هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الرّواة الثّقات للحديثِ.
- إبراهيمُ: وهوَ أبو عمرانَ، إبراهيمُ بنُ يزيدَ النّخعيُّ (46ـ96هـ)، وهوَ منْ التّابعينَ المحدّثينَ الثّقات في الحديث.
- مسروقٌ: وهوَ أبو عائشةَ، مسروقُ بنُ الأجدعِ الهمدانيُّ (ت: 62هـ)، وهوَ منْ ثقات رواة التّابعينَ للحديث.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى النّهي عنْ ما كانَ منتشراً منْ دعوى الجاهليّة منْ عادات الجنائزِ، وقدْ نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّمَ عنْ ما كان في الجاهليّة منْ شقِّ الجيوبِ والنّياحة وضربِ الخدودِ، وقوله عليه الصّلاة والسّلامُ (ليسَ منّا) ليسَ إخراجاً منَ الملّةِ بلْ تشديداً بالنّهي ليكونَ له تأثيرٌ في النّفسِ لكي يبتعدَ عنهُ المسلم، والمقصودُ بشقّ الجيوبِ هوَ ما كانَ سائداً منْ شقِّ الثّوبِ منْ مدخلِ الرّاسِ إلى آخره حزْناً، أمّا لطمُ الخدودِ فضربها حزناً على الميّتِ، وأمّا النّياحةُ فالمقصودُ بها رفعُ الصّوتِ في البكاءِ والعويلِ على الميّت، والله تعالى أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- دورُ الإسلامِ في ابطالِ دعوى الجاهليّةِ، والدّعوةِ إلى التّسليمِ بالقضاءِ والقدر.
- تحريمُ النّياحة وشقّ الجيوبِ واللّمِ للخدودِ على الميّت.