لقدْ كانَ الحديثُ النَّبويُّ الشَّريفُ بوصفهِ المصدرِ الثَّاني في التَّشريعِ الإسلاميِّ المبيِّنَ والموضِّحَ لكثيرٍ منَ الأحكامِ والعباداتِ وآدابها، ونحنُ نعلمُ أنَّ كثيراً منَ العباداتِ جاءتْ عامَّةً في القرآنِ الكريمِ، وكانَ في الحديثِ والسُّنَّةِ بيانُها، ومنها الصَّلاةُ، وممَّا جاءَ في الحديثِ منْ توضيحٍ وبيانٍ جوازُ الصَّلاةِ إلى مواضِعِ الإبلِ لا في مراتِعها، وسنستعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحمهُ اللهُ في الصَّحيحِ: ((حدَّثَنا صدقةُ بنُ الفضلِ، قال: أخبرنا سليمانُ بنُ حيَّانَ، قال: حدَّثَنا عبيدُ اللهِ، عنْ نافعٍ، قال: رأيتُ ابنُ عمرَ يُصَلِّي إلى بعيرِهِ، وقالَ: رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يفعلُهُ )). رقمُ الحديثِ: 430.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ يرْويهِ الإمامُ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصَّحيحِ في كِتابِ الصَّلاةِ، بابُ الصَّلاةِ في مواضعِ الإبلِ، والحديثُ منْ طريقِ الصَّحابيِّ الجليلِ ابنِ عمرَ، وهوَ عبدُ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهما، وهوَ منَ المكثرينَ في روايةِ الحديثِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أمَّا بقيَّةُ رجالِ الحديثِ فهم:
- صدقةُ بنُ الفضلِ: وهوَ أبو الفضلِ، صدقةُ بنُ الفضلِ المروزيُّ (ت: 223هـ)، وهوَ منَ المحدِّثينَ منْ تبعِ أتباعِ التَّابعينَ.
- سليمانُ بنُ حيَّانَ: وهوَ أبو خالدٍ الأحمرُ، سليمانُ بنُ حيَّانَ الأزديُّ (114ـ190هـ)، وهوَ منَ الثِّقاتِ المحدِّثينَ منْ أتْباعِ التَّابعينَ.
- عبيدُ اللهِ: وهوَ أبو عثمانَ، عبيدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ حفصِ القرشيُّ (ت:147هـ)، وهوَ منْ أعلامِ المحدِّثينَ الثِّقاتِ منْ أتْباعِ التَّابعينَ.
- نافعُ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، نافعٌ مولى عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ القرشيُّ (ت:116هـ)، وهوَ منْ كبارِ التَّابعينَ الثِّقاتِ في الحديثِ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ المذكورُ إلى جوازِ الصَّلاةِ إلى مواضعِ الإبلِ، بما يرويهِ الرَّاوي نافعُ مولى عبدُ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ؛ أنَّهُ رآهُ يصلِّي إلى مواضعِ إبِلهِ، وأخبرهُ أنَّهُ رأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يفعلُ ذلكَ، وفعلُ النَّبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يشيرُ إلى الإباحةِ والجوازِ، والجوازُ فقطْ للصَّلاةِ نحوها لا في مرابضها، فقدْ رويَ منْ طريقٍ آخرَ أنَّهُ نهى عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنِ الصَّلاةِ في مرابضِ الإبلِ لما قدْ يلحقُ المصلِّي منَ النَّجاسةِ والأذى منْ حركتها، واللهُ أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الدُّروسِ والفوائدِ منَ الحديثِ:
- جوازُ الصَّلاةِ إلى مواضعِ الإبلِ لا في مرابضها.
- عدمُ جوازِ الصَّلاةِ في مرابضِ الإبلِ.