لقدْ جاءَ الإسلامُ ليهذِبَ الإنسانَ بكلِّ جوانبِ حياته وينظّمها، ويجعلهُ مستسلماً للهِ في كلِّ ما يحدثُ له، فحرَّمَ كثيراً منْ عاداتِ الجاهليَّةِ ودعا إلى مخالفتها، ومنْ العاداتِ الّتي نبذها الإسلامُ وحرَّمها النِّياحةُ ولطمُ الخدودِ على الميِّتِ، وسنعرضُ حديثاً في حرمةِ ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدَّثنا أبو نُعيمٍ، حدّثنا سفيانُ، حدّثنا زُبيدٌ الْياميُّ، عنْ إبراهيمَ، عنْ مسروقٍ، عنْ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنه قال: قالَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (ليسَ منّا منْ لطمَ الخدودَ، وشقّ الجيوبَ ودعا بدعوى الجاهليّةِ). رقمُ الحديث: 1294)).
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ يرويهِ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ يرْحمهُ اللهُ في صحيحه في كتابِ الجنائزِ؛ بابُ ليس منّا منْ شقّ الجيوبَ، والحديثُ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ الهذليُّ الكوفيُّ، وهوَ منْ المكثرينَ في روايةِ الحديثِ منَ الصّحابةِ رضوانُ اللهِ عليهم، أمَّا بقيّةُ رجال الحديث:
- أبو نُعيم: وهوَ أبو نعيمٍ، الفضلُ بنُ دُكينٍ المِلائيُّ الكوفيُّ (130ـ218هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتباعِ التّابعينَ الثّقات في رواية الحديث.
- سفيانُ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، سفيانُ بنُ سعيدٍ الثّوريُّ (97ـ161هـ)، وهوَ منْ أتباعِ التّابعينَ الثِّقاتِ بالحديث.
- زبيدُ الياميُّ: وهو أبو عبدِ الرّحمنِ، زبيدُ بنُ الحارثِ الياميُّ الكوفيُّ (ت:122هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ منْ أتْباع التّابعينَ.
- إبراهيمُ: وهوَ أبو عمرانَ، إبراهيمُ بنُ يزيدَ النّخعيُّ (46ـ96هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ منَ التّابعينَ.
- مسروق: وهوَ أبو عائشةَ، مسروقُ بنُ الأجدعِ الهمدانيُّ (ت:62هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى النّهيِّ عنْ بعضِ الأفعال المتعلّقةِ بالموتَ وما صاحبهُ منْ أفعالٍ لا تتّصلُ بالإسلامِ وهي منْ عاداتِ الجاهليّةِ، وقدْ بيّنَ الصّحابيُّ الجليلُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ عنْ نهيِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عنها، وهي لطمُ الخدودِ وضربها وهوَ ليسَ مختصاُ بالخدودِ فقطْ بل بالوجهِ أيضاً، وسببُ تخصيصِ الخدِّ لما شاعَ بينَ النّاسِ ذلكَ، كما حرّمَ الحديثُ شقَّ الثّوبِ وفتحهِ لإدخال الوجهِ فيهِ، وقولهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ (ليسَ منّا) لا إخراجاً منْ ملّةِ الإسلامِ؛ بل دلالةً على أنَّهُ ليسَ منْ عاداتِ الإسلامِ وطريقه، كما أوردَ بعضُ العلماءِ أنَّ صاحبَ هذا الفعلِ يحرمُ منْ شفاعةِ النَّبيِّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يومَ القيامةِ لبراءتهِ منْ فعلهِ، كما جاءَ الحديثُ بتحريمِ دعوى الجاهليّةِ وهي ما شابهَ النّياحةَ والنّدبَ والدعاءَ بالشرِّ وهي منْ ما جاءَ مخالفاً للشريعةِ الإسلاميَّةِ منْ عاداتِ الجاهليّةِ الأولى.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ المستفادةِ منَ الحديث:
- تحريمُ اللطمِ وشقّ الجيوبِ ودعوى الجاهلية منَ النّياحةِ والدعاءِ بالويلِ وما شابهَ ذلكَ.
- وجوبُ التّسليمِ بالقضاءِ والقدرِ.