لقدْ جاءَ الإسلامُ مشدّداً على حرمةِ النّفسِ البشريّةِ منَ الإيذاءِ، وجعلَ حفظَ النّفسِ منَ الضّروراتِ الّتي لا يجوزُ الاعتداءُ عليها، وقدْ جاءَ في حديثِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ كثيراً منَ الشّواهدِ الّتي تحرّمُ على قتلِ النّفسِ وهوَ ما يعرفُ بالانْتحارِ، وجعلَ عقوبةُ صاحبها الخلودُ في نارِ جهنّمَ، وسنعرضُ حديثاً في بيانِ ذلكَ.
الحديث:
أوردَ الإمامُ البخاريُّ في صحيحه: ((حدّثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الوهّابِ، حدّثنا خالدُ بنُ الحارثِ، حدّثنا شعبةُ، عنْ سليمانَ، قالَ: سمعتُ ذكوانَ يحدّثُ عنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ، عنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال: “منْ تردّى منْ جبلٍ فقتلَ نفسهُ، فهوَ في نارِ جهنّمَ يتردّى فيها، خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومنْ تحسّى سمّاً فقتلَ نفسهُ، فسَمُّهُ في يدهِ، يتحسّاهُ في نارِ جهنّمَ خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومنْ قتلَ نفسهُ بحديدةٍ، فحديدته في يدهِ، يجأُ بها في بطنهِ في نارِ جهنّمَ خالداُ مخلّداً فيها أبداً”)). رقمُ الحديثِ:5778.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في صحيحه في كتابِ الطّبِّ، بابُ: (شربِ السّمِّ والدّواءِ بهِ وبما يُخافُ منهُ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ عبدُ الرّحمنِ بنُ صخرٍ الدّوسيُّ، منْ أكثرِ الصّحابةِ روايةً عنْ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلام، أمّا رجالُ سندِ الحديثِ الآخرونَ:
- عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الوهّابِ: وهو أبو محمّدٍ، عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الوهّابِ الحجْبيُّ (ت: 228هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ في رواية الحديث.
- خالدُ بنُ الحارثِ: وهوَ أبو عثمانَ، خالدُ بنُ الحارثِ بنِ عبيدٍ الهجيميُّ (120ـ186هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ أتباع التّابعينَ.
- شعبةُ: وهوَ أبو بسطام، شعبةُ بنُ الحجّاجِ العتكيُّ (82ـ160هـ)، منْ مشاهيرِ ثقاتِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- سليمانُ: وهوَ أبو محمّدٍ، سليمانُ بنُ مهرانَ الأسديُّ والمعروفِ بالأعمشِ (61ـ145هـ)، وهوَ منْ كبارِ المحدّثينَ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
- ذكوانُ: وهوَ أبو صالحٍ، ذكوانُ السّمانُ الزّيّاتُ (ت:101هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ التّابعين في رواية الحديثِ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ المذكورُ إلى كبرِ جرمِ قتلِ الإنسانِ نفسهُ، وقدْ ذكرَ الحديثُ أكثرَ منْ طريقةٍ محرّمةٍ لقتلِ النّفسِ يكونُ عقابها بالمثلِ يومَ القيامةِ، وأنّ عقوبةُ قاتلِ نفسهِ الخلودُ في نارِ جهنّمَ خالداً مخلّداً فيها أبداً، ولا يعني قتلُ النّفسِ بما جاءَ في الحديثِ مقتصراً عليها؛ بل كلَّ ما يودي به الإنسانُ نفسهُ إلى الموتِ والهلاكِ، وقدْ شدّدَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في عقوبةِ ذلكَ ترهيباً منْ هذا الفعلِ المحرّمِ وحفاظً على النّفسِ الإنسانيةِ منَ الهلاكِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- الحفاظُ على النّفسِ الإنسانيةِ منْ ضروراتِ ديننا الحنيفِ.
- قتلُ النّفسِ منَ الكبائرِ الّتي تستوجبُ الخلودَ في نارِ جهنّمَ.
