لقدْ كانَ في حديثِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ كثيراً منَ الشّواهدِ الّتي بيّنَ فيها رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ كثيراً منْ أحكامِ الزّواجِ، وقدْ حرصَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنْ يعلّمَ تلكَ الأحكامِ لزوجاتهِ أمّهاتِ المؤمنينَ، وقدْ كانَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ يرجعُ منْ بيتِ أزواجهِ إذا رأى منكراً ويوضّحهُ لهنَّ، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ في الصّحيحِ: ((حدّثنا إسماعيلُ، قال: حدّثني مالكٌ، عنْ نافعٍ، عنِ القاسمِ بنِ محمّدٍ، عنْ عائشةَ زوجُ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، أنّها أخبرتهُ، أنّها اشترتْ نُمرقةً فيها تصاويرُ، فلمّا رآها رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قامَ على البابِ فلمْ يدخلْ، فعرفتْ في وجهه الكراهيةُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أتوبُ إلى اللهِ وإلى رسولهِ، ماذا أذنبتُ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: “ما بالُ هذهِ النّمرقةِ؟”. قالتْ: فقلتُ: اشتريتها لكَ لتقعدَ عليها وتوسّدَها. فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: “إنَّ أصحابَ هذهِ الصّورُ يعذّبونَ يومَ القيامةِ، ويقالُ لهمْ أحيوا ما خلقْتُمْ”. وقال: “إنَّ البيتَ الّذي فيه الصّورُ لا تدخلهُ الملائكةُ”.)). رقمُ الحديث:5181.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ النّكاحِ، بابُ: (هل يرجعُ إذا رأى منكراً في الدّعوةِ)، والحديثُ منْ طريقِ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، وهيَ عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ الصّدّيقِ رضيَ اللهُ عنهما، منَ المكثراتِ للحديثِ عنِ النّبيّ عليه السّلامُ منَ الصّحابةِ، أمّا رجالُ سندِ الحديثِ:
- إسماعيلُ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، إسماعيلُ بنُ عبدِ اللهِ الأصبحيُّ (139ـ226هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديث.
- مالكٌ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، الإمام مالكُ بنُ أنسٍ الأصبحيُّ (93ـ179هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- نافعٌ: وهوَ نافعٌ مولى عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطّابِ (ت:116هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
- القاسمُ بنُ محمّدٍ: وهوَ أبو محمّدٍ، القاسمُ بنُ محمّدِ بنِ أبي بكرٍ الصّدّيقِ القرشيُّ (ت: 106هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقات في رواية الحديث.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى أسلوبٍ منْ أساليبِ الدّعوةِ والنّهيِّ عنِ المنكرِ في البيتِ، وقدْ بيّنَ ذلكَ فعلُ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ عندما دخلَ على بيت عائشةَ وقدْ اشترتْ لهُ وسادةً ليجلسَ عليها وكانتْ تحملُ تصاويرَ، فوقفَ عليه السّلامُ على البابِ ولمْ يدخلْ، وبيّنَ أنَّ التّصاويرَ على الوسادةِ منَ المنهيِّ عنها، وأنَّ منْ يصنعُ هذهِ التّصاويرَ سيعذّبهُ اللهُ يومَ القيامةِ، وأنَّ الملائكةَ الكرامَ لا تدخلُ بيتاً فيه مثلها، وفعلُ النّبيِّ يرشدنا إلى اتّخاذِ أسلوبِ البيانِ في المحرّماتِ في البيتِ بالإقناعِ وإقامةِ الحجّةِ وتوضيحها، دونَ اللّجوءِ إلى التّعصّبِ والنّقاشِ الحادِّ الّذي لا يُسمنُ ولا يغني منْ جوعٍ، وكمْ نحنُ بحاجةٍ إلى الاقتداءِ به عليه الصّلاةُ والسّلامُ بمثلِ هذه الأساليب.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- عدمِ التّجاوزِ عنْ حدودِ اللهِ في البيتِ.
- إقامةُ شرعِ اللهِ بالنّهيِّ عنِ المنكرِ في البيتِ بالحجّةِ والبرهانِ والبعدِ عنِ النّقاشِ الحادِّ.