لقدْ حدّثنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ كثيراً منَ الأحداثِ الّتي تسبقُ قيامَ السّاعة، وذلكُ ممّا أوحاهُ إليه الله تعالى، وقدْ أخبرَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ برفعِ الأمانةِ قبلَ السّاعةِ، فلا يجدونَ النّاسَ منْ يأتمنونَ عندهُ ، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
أورد الإمامُ البخاريُّ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا محمّدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، حدّثنا الأعمشُ، عنْ زيدِ بنِ وهبٍ، حدّثنا حذيفةَ، قال: حدّثنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ حديثينِ رأيتُ أحدُهما، وأنا أنتظرُ الآخرَ؛ حدّثنا “أنَّ الأمانةَ نزلتْ في جذر قلوبِ الرّجال، ثمَّ علموا منَ القرآنِ، ثمّ علموا منَ السّنّةِ”. وحدّثنا عنْ رفعها قال: ” ينامُ الرّجلُ فتُقْبَضُ، فيبقى أثرُها مثلَ أثرِ الوكتِ، ثمَّ ينامُ النّومةَ فتُقْبضُ، فيبقى فيها أثرُها مثلَ أثرِ المَجْلِ، كجمرٍ دحرجتْهُ على رجلكَ فنَفِطَ، فتراهُ منْتَبِراً وليسَ فيه شيءٌ، ويصبُحُ النّاسُ يتبايعونَ، فلا يكادُ أحدٌ يؤدّي الأمانةَ، فيقالُ إنّ في بني فلانٌ رجلاً أميناً. ويقالُ للرّجلِ: ما أعقلَهُ وما أظرَفَهُ وما أجْلَدهُ، وما في قلبهِ مثقالُ حبّةِ خردلٍ منْ إيمانٍ”)). رقمُ الحديث: 7086.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الفتنِ، بابُ: (إذا بقيَ في حثالةٍ منَ النّاسِ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ حذيفةَ بنِ اليمانِ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ أمينُ سرِّ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامِ وأكثرهمْ روايةً لحديثِ الفتنِ، أمّا بقيّةُ رجالِ الحديث:
- محمّدُ بنُ كثيرٍ: وهوَ محمّدُ بنُ كثيرٍ العبديُّ (133ـ223هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- سفيانُ: وهو أبو عبدِ اللهِ، سفيانُ بنُ سعيدٍ الثّوريُّ (97ـ161هـ)، وهوَ من كبارِ الثّقاتِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- الأعمشُ: وهوَ أبو محمّدٍ، سليمانُ بنُ مهرانَ الأعمشُ (61ـ145هـ)، وهوَ ثقةٌ محدّثٌ منْ كبارِ التّابعينَ.
- زيدُ بنُ وهبٍ: وهوَ أبو سليمانَ، زيدُ بنُ وهبٍ الجهنيّ (ت: 96هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديثِ عنِ الصّحابةِ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى علامتينِ منْ علاماتِ السّاعةِ وهي نزولُ الأمانةِ وثبوتها ثمَّ قبضها في آخرِ الزّمانِ، وقدْ بيّنَ الرّاوي حدوثَ أحدِهما وهي نزولُ الأمانةِ في منْ حفضها ونزلَ في قلبه القرآنُ والسّنّةُ، ولمْ تحدُثِ الأخرى وهي ما تحدّثَ عنها النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنها ستأتي في آخر الزّمانِ، وقدْ بيّنَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنّ الأمانةَ تتدرجُ في قبضها منْ قلوبِ العبادِ حيثُ تقبضُ فتصيرُ في القلوبِ مثلَ أثرِ الوكتِ، والوكتُ هوَ الشّيءُ القليلُ الّذي لا لونَ له، ثمَّ بعدَ ذلكَ تكونُ مثلَ أثرِ نفاخاتٍ تخرجُ في اليدِ نتيجةَ شغلِ الإنسانِ أو حرقهِ فارغةً لا شيءَ فيها، ثمَّ تختفي في معاملاتِ النّاسِ في البيعِ ونحوه حتّى يشيعَ منْ قلةِ الأمانةِ أنّ هناكَ في قومِ فلان رجلاً أميناً، ثمّ تختلفُ نظرة النّاسِ فيمدحونَ منْ ليس في قلبه شيءٌ منَ الإيمان.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- نزولُ الأمانةِ في قلوبِ منْ حفظوا القرآنَ والسّنّةَ.
- قبضُ الأمانةِ في آخر الزّمانِ منْ علاماتِ السّاعة.