لقدْ كانَ لمدرسةِ النّبيِّ محمّدٍ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ الفضلُ الكبيرُ في تهذيبِ نفسِ المؤمنِ، وارشادهِ إلى الصّلاحِ والتّواضعِ واحترام النّعمةِ وشكرهِ للهِ عزّ وجلّ عليها، وقدْ تعلّمنا منْ هذه المدرسةِ كثيراً منْ أحكامِ الطّعامِ والشّرابِ ممّا علّمهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ لصحابته الكرامِ، وسنعرضُ حديثاً منْ سنّتهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ في آدابِ جلسةِ المسلمِ للطّعامِ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريّ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثني عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، أخبرنا جريرٌ، عنْ منصورٍ، عنْ عليِّ بنِ الأقمرِ، عنْ أبي جُحيفةَ قال: كنتُ عندَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ فقالَ لرجلٍ عندهُ: “لا آكلُ وأنا مُتّكئٌ”)). رقمُ الحديث:5399.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الأطعمةِ، بابُ : (الأكلِ متكئاً)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي جُحيفةَ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ وهبُ بنُ عبدِ اللهِ السّوائيُّ الكوفيُّ (ت: 74هـ)، وهوَ منَ الصّحابةِ الرّواةِ للحديثِ، أمّا بقيّةُ رجالِ اسنادِ الحديث:
- عثمانُ بنُ أبي شيبةَ: وهوَ أبو الحسنِ، عثمانُ بنُ محمّدٍ العبسيُّ(156ـ239هـ)، وهوَ منْ مشاهيرِ المحدّثينَ الثّقاتِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- جريرٌ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، جريرُ بنُ عبدِ الحميدِ بنِ جريرٍ الضّبيُّ (110ـ188هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ أتباع التّابعينَ.
- منصورٌ: وهوَ أبو عِتابٍ، منصورُ بنُ المعتمرِ السّلميُّ (ت:132هـ)، وهوَ منَ المحدّثينَ الثّقاتِ منْ أتباع التّابعينَ.
- عليُّ بنُ الأقمرِ: وهوَ أبو الوازعِ، عليُّ بنُ الأقمرِ بنِ عمرٍ الهمْدانيُّ، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديث.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ المذكورُ إلى آدابِ جلسة المسلمِ لتناوّلِ الطّعامِ، وقدْ بيّنَ الرّاوي أبو جحيفةَ أنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال أنّه لا يأكلُ متكّئاً، كما وردَ عنهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ عنْ نهيه عنْ ذلكَ، والاتكاء هوَ أنْ يميلَ الإنسانُ على أحدِ شقّيهِ، والحكمةُ منَ النّهيِ عنْ ذلكَ ممّا وردَ منَ أهلِ العلمِ أنّ الاتكاء منْ صفاتِ أهلِ الكبرِ.
وكانَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ يحبُّ أنْ يكونَ عبداً شكوراً منيباً غيرَ متكبّرٍ، وقيلَ كما أوردَ ابنُ حجرٍ العسقلانيُّ في فتحِ الباري أنّ جبريلَ أتى النّبيَّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ وهوَ يأكلُ متّكئاً فنهاهُ فلمْ يُرَ بعدها يأكلُ متّكئاً، كما وردَ عندَ أهلِ الطّبِ أنّ أكلَ المتّكئِ يحدثُ عندهُ تلبّكاً في أمعائهِ وصعوبةِ هضمِ الطّعامِ في جسمهِ وهنا شاهدٌ على أنّ ما نهى الإسلامُ عنهُ إنّما جاءَ للمحافظةِ على الإنسانِ وصحّتهِ.
ما يرشد إليه الحديث:
من الفوائدِ المستفادةِ منَ الحديث:
- حرصُ الإسلامِ على بيانِ أدابِ الطّعامِ للمسلمِ وحثّهِ على شكرِ اللهِ تعالى.
- نهي النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ عنِ الأكلِ للمتّكئِ.