لقدْ أخبرَنا رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلَّمَ عنْ فتنٍ أعلَمَهُ اللهُ بها تكونُ في آخرِ الزَّمانِ، وفي هذا رحمةٌ لأمَّتنا وتوجيهٌ منَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لأمَّته أنْ يتجنَّبوها، ولقدْ كانَ للفتنِ في الحديثِ النَّبويِّ شواهدَ كثيرَةً نأخذ منها حديثاً في هذه السُّطور.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحمه الله في الصَّحيح: ((حدَّثنا عيَّاشُ بنُ الوليدِ، أخبرنا عبدُ الأعلى، حدَّثنا مَعْمرٌ، عنِ الزُّهريِّ، عنْ سعيدٍ، عنْ أبي هريرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (يتقاربُ الزَّمانُ، وينقُصُ العملُ، ويُلقى الشُّحُّ، وتظهرُ الفتنُ، ويكثر الهرْجُ). قالوا يارسولَ اللهِ، أيُّمَ هو؟ قالَ: (القتلُ القتلُ). رقم الحديث: 7061)).
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ يرْويهِ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصَّحيحِ في كتابِ الفتنِ بابِ ظهور الفتن، ويرويهِ منْ طريقِ عيَّاشِ بن الوليدِ القطَّانُ، وهوَ منْ طبقَةِ تبعِ أتْباع التَّابعينَ، ويرْويهِ عيَّاشٌ منْ طريقِ عبدِ الأعلى بنِ عبدِ الأعلى البصْريِّ منْ أتْباعِ التَّابعينَ، ويرويهِ عبدُ الأعلى عنْ معمرِ بنِ راشدٍ الأزديِّ وهو منْ أتْباعِ التَّابعينَ أيضاً، ليصِل الحديثُ إلى التَّابعينَ منْ طريقِ مُحمَّدِ بنِ مسلمٍ الزُّهريُّ ويرويهِ عنْ سعيدِ بنِ المسيَّبِ منْ كبارِ التَّابعينَ، ليصلَ سندُ الحديثِ إلى الصَّحابة منْ طريقِ أبي هريرةَ عبد الرحمن بن صخر الدُّوسيِّ منْ كبارِ المكثرينَ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى علاماتٍ وفتنِ تقعُ في آخرِ الزَّمانِ تسبقُ العلاماتِ الكبرى ليومِ القيامَةِ وهي:
- تقارب الزَّمان: وتقاربِ الزَّمانِ هو نقصانُ الوقتِ فتكونُ السَّنَةُ كالشَّهرِ، وقالَ بعضُ أهلِ العلْمِ، تنقصُ البركةُ بالوقتِ بأنْ يستلذَّ النَّاسً بالعيشِ والله أعلم.
- نقصان العمل: ونقصانُ العملِ بلهوِ العاملِ بملذّاتِ الدُّنْيا، ويكونُ أيضاً بنقصانِ الدِّينِ الّذي يسوقُ المسلمَ لأنْ ينقُصَ عملُهُ، وفي روايةِ الإمام مسلم في الصَّحيحِ: (ينقصُ العلْمُ) ويكونُ بموتِ أهلِ العلْمِ وقلَّةِ طلبهِ، لما للعلْمِ منْ أسبابٍ تقودُ إلى العمل.
- الشُّحِّ وهو البخلُ: وذلكَ بأنْ يُلْقَى البخلُ في قلوبِ النَّاسِ، فيبخلُ العالمُ بنشرِ علْمِهِ والغنيُّ بدفعِ الزَّكاةِ للفقراءِ وغيرها منْ وجوهِ البخلِ ومظاهره.
- ظهور الفتن: وظهورها يعني أنْ تنتشرَ بينَ النَّاسِ فلا يلْقونَ لها بالاً ويستسهلونَها حتَّى تصبحَ علناً فيفعلونها ويجاهرونَ بها.
- كثرةُ الهرْجِ: والهرجُ كما بيَّنهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الحديثِ هوَ القتلُ، وكثرَتُهُ يكونُ بانتشارِ الفسادِ بينَ النَّاسِ فيصبحُ القتلُ هيِّناً، وقالَ بعضُ أهلِ العلْمِ إختلاطُ وخلافُ يفْضِي إلى القتلِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ والدُّروس المستفادةِ منَ الحديثِ:
- العملُ على تفادي الفتنِ في آخر الزَّمانِ بالعملِ والإيمان.
- التَّمسكِ بالعلمِ يقودُ إلى العملِ الّذي يجيرُ منَ الفتنِ.
- الفتنُ في آخر الزمانِ عظيمةُ تستوجبُ منا العمل والحذر.