إنّ القرآنَ الكريمَ منْ أعظمِ الكتبِ السّماويّةِ، وقدْ كانَ لأمّةِ الإسلامِ نعمةُ هذا الكتابِ بما لهُ منْ أجرٍ على كلِّ منْ يقرأهُ، ولقدْ كانَ لقارئةِ منزلةُ عظيمةُ وأجرُ كبيرُ في الدّنيا والآخرةِ، وقدْ كانَ لقارئ القرآنِ في حديثِ رسولِ اللهِ تبيانٌ حسبَ درجاتِ الإيمانِ والنّفاقِ، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا قتيبةُ، حدّثنا أبو عوانةَ، عنْ قتادةَ، عنْ أنسٍ، عنْ أبي موسى الأشعريِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: “مثلُ المؤمنِ الّذي يقرأُ القرآنَ كمثلِ الأتْرُجَّة، ريحها طيِّبٌ وطعمها طيِّبٌ، ومثلُ المؤمنِ الّذي لا يقرأُ القرآنَ كمثلِ التّمرةِ، لا ريحَ لها وطعمها حلوٌ، ومثلُ المنافق الّذي يقرأُ القرآنَ مثلُ الرّيحانةِ، ريحها طيّبٌ وطعمها مرٌّ، ومثل المنافقِ الّذي لا يقرأُ القرآنَ كمثلِ الحنظلةِ ، ليسَ لها ريحٌ وطعمها مرٌّ”)). رقمُ الحديثِ:5427.
ترجمة رجال الحديث:
الحديث المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الأطعمةِ بابُ ذكرِ الطّعامِ، والحديثُ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليل أبي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهو عبدُ اللهِ بنُ قيسٍ الأشعريُّ التّميميُّ، وهوَ منْ المكثرينَ في رواية الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ منَ الصّحابةِ، أمّا الرّواةُ الآخرونَ في الحديثِ فهم:
- قتيبةُ: وهوَ أبو رجاءٍ، قتيبةُ بنُ سعيدٍ الثّقفيُّ (148ـ240هـ)، وهوَ منْ المحدّثينَ الثّقاتِمنْ تبعِ أتْباعِ التّابعين.
- أبو الأحوصِ: وهوَ سلّامُ بنُ سليمٍ الحنفيُّ والمعروفِ عندَ أهل الحديثِ بأبي الأحوصِ (ت:179هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ الثّقاتِ منْ أتباعِ التّابعينَ.
- الأعمشُ: وهوَ أبو محمّدٍ، سليمانُ بنُ مهرانَ الأسديُّ والمعروفِ بالأعمشِ (61ـ145هـ)، وهوَ منْ كبارِ المحدّثينَ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
- زيدُ بنُ وهبٍ: وهوَ وهوَ أبو سليمانَ، زيدُ بنُ وهبٍ الجهني (ت:96هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثٌاتِ في رواية الحديث.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى أصنافِ قارئ القرآنِ وأفضليّةِ المؤمنِ في ذلكَ، وقدْ بيّنَ الحديثُ أنَّ الّذينَ يقرؤون القرآنَ متفاوتونَ حسبَ الإيمانِ والفجورِ والنّفاقِ، وقدْ ضربَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ في ذلكَ مثلاُ لأربعةٍ منَ العبادِ في قراءةِ القرآنِ وهمْ:
- المؤمنُ القارئ: وقدْ شبّهَهُ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ بالأترجةِ، والأتْرجةِ هي منَ الثّمارِ الّتي يكونُ فيها مجمعُ الطّيبِ والمسكِ، وذلكَ فيما تعلّمهُ منَ القرآنِ وعلّمهُ ونشرهُ بينَ النّاسِ.
- المؤمنُ غيرُ القارئ: وقدْ أعطاهُ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ مثلُ التّمرةِ طعمها حلوُ ولا رائحةَ لها، أمّا الطّعمُ الحلوُ فذلكَ لباطنِ إيمانه وعدمُ الرّائحةِ لعدمِ قراءتهِ القرآنَ وعدمِ استفادةِ النّاسِ منهُ.
- المنافق القارئ: وقدْ شبّهه النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ بالرّيحانةِ ذاتِ الرائحةِ الزّكيّةِ والطّعمِ المرِّ، أمّا الرّائحةُ الزّكيّةُ فذلكَ بقراءته كتابِ اللهِ، وأمّا الطّعمُ المرُّ نسبةً إلى كفرهِ الباطنُ المرِّ.
- المنافق غيرُ القارئ: وقدْ شبّههُ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ بالحنظلةِ ذاتِ الطّعمِ المرِّ وانعدامِ الرّائحةِ، أمّا انعدامُ الرّائحةِ فذلكَ لانعدامِ قراءتهِ المستفادِ منها، وطعمُها المرُّ لكفرهِ الباطنيُّ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائد منَ الحديث:
- فضلُ قراءةِ القرآنِ للمؤمنِ والخيرِ والجزاءِ المترتّب عليه.
- انعدامُ فضلِ قراءة القرآنِ للمنافقِ.