ما زلنا نستعرضُ الفتنَ والملاحمَ في حديثِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، وما رووها الصّحابةُ للأمّة منْ بعدِهم، حتّى وصلنا إلى فتنةِ المسيح الدّجال، وقدْ أخبرَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلام عنْ فتنته فب كلِّ مكانٍ إلّا المدينة المنوّرةِ، وسنعرضُ حديثاً في عدمِ دخوله المدينة.
الحديث
روى الإمامُ البخاريُّ يرحمهُ الله في صحيحه: ((حدّثنا أبو اليمانِ، أخبرنا شعيبٌ، عنِ الزّهريِّ، أخبرَني عبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ بنِ مسعودٍ، أنّ أبا سعيدٍ قال: حدّثنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ يومئذٍ حديثاً طويلاً عنِ الدّجّالِ، فكانَ فيما يُحدّثنا بهِ أنّهُ قال: “يأتي الدّجّالُ، وهوَ محرّمٌ عليه أنْ يدخلَ نقابَ المدينةِ، فينزلُ بعضَ السِّباخِ الّتي تلي المدينةَ، فيخرُجُ إليه يومئذٍ رجلٌ، وهوَ خيرُ النّاسِ ـ أوْ منْ خيارِ النّاسِ ـ فيقولُ: أشهدُ أنّكَ الدّجّالُ الّذي حدّثنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ حديثهُ. فيقولُ الدّجّالُ: أرايتُ إنْ قتلتُ هذا وأحييتهُ، هلْ تشكّونَ في الأمرِ؟ فيقولون لا. فيقتلهُ ثمَّ يُحييهِ، فيقولُ: واللهُ ما كنْتُ فيكَ أشدَّ بصيرةً منّي اليومَ، فيريدُ الدّجّالُ أنْ يقتلهُ ، فلا يُسلّطُ عليهِ”)). رقمُ الحديثِ: 7132.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ النبويُّ المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في صحيحه في كتابِ الفتنِ بابُ: (لا يدخلُ الدّجّالُ المدينةَ)، والحديثُ جاء منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ سعدُ بنُ مالكِ بنِ سنانٍ الأنصاريُّ، منَ المكثرينَ في رواية الحديثِ منَ الصّحابةِ، وبقيّةُ رجالِ السّندِ هم:
- أبو اليمانِ: وهوَ الحكمُ بنُ نافعٍ البهرانيُّ (138ـ221هـ)، وهوَ منَ الرّواةِ الثّقاتِ للحديثِ منْ تبعِ أتباعِ التّابعينَ.
- شعيبٌ: وهوَ أبو بشرٍ، شعيبُ بنُ أبي حمزةَ دينارٍ القرشيُّ (ت: 162هـ)، وهوَ منَ المحدّثينَ الثّقاتِ منْ أتباع التّابعينَ.
- الزّهريُّ: وهوَ أبو بكرٍ، محمّدُ بنُ مسلمٍ الزّهريُّ (50ـ125هـ)، وهوَ أفضلُ رواةِ التّابعينَ ومنْ أوثقهمْ في الحديثِ.
- عبيدُ اللهِ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، عبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ بنِ مسعودٍ الهذليُّ (ت: 94هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديثِ عنِ الصّحابةِ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ النّبويُّ المذكورُ إلى فتنةِ المسيحِ الدّجالِ أوِ الأعورِ الدّجالِ، وقدْ ذكرَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في الحديثِ أوصافاً لهُ وأنّهُ يدخلُ كلَّ الأماكنِ إلّا المدينةَ المنوّرة، ففيها يومئذٍ ملائكةُ يحرسونها منهُ، فيمرُّ بالسّباخ القريبةِ منها، وهي أرضُ لا تنبتُ لملوحتها، وفي روايةٍ أخرى سبخةَ الجرفِ وهي منطقةُ تبعدُ عنِ المدينةِ ما يقاربُ الثّلاثةَ أميالٍ منْ جهةِ الشّامِ، ولا يستطيعُ بعدها دخولُ المدينةِ، كما ذكرَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في الحديثِ قصّةَ ذلكَ الشّابِ المؤمنِ الّذي يرفضُ تصديقهُ ويزدادُ يقيناً بأنّهُ المسيحُ الدّجال المذكورُ في حديثِ النّبيِّ عليه السّلام، ويقدّمُ لهُ المسيحُ ما أعطاهُ اللهُ منَ القدرةِ على إحياءِ ذلكَ الرّجلُ الّذي قتلهُ، ويمنعهُ اللهِ منَ ذلكَ الشّابِ المؤمنِ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- فتنةُ المسيحِ الدّجالِ منْ أعظمِ فتنِ آخرِ الزّمان.
- لا يدخلُ الأعورُ الدّجال المدينةَ.