بُعث الأنبياء والرّسل إلى اقوامهم لإخراجهم ممّا كانوا فيه من ضلال ، فمنهم من حارب الأنبياء وأعتدوا عليهم ومنهم من تجرأ بقتلهم بغير حجّة ولا برهان.
حفظ النبي من أعمال الجاهلية
إنّ الله عز وجل عضّم سيدنا محمد في كتابه الشريف، وتكفّل سبحانه وتعالى بحفظ النبي منذ ولادته حتى وفاته، فالله يحفظ نبيّه ويكلؤه ويحميهِ ويحيط به من شرِّ أعمال وأقذار الجاهلية؛ لمّا يريد به من كرامته ورسالته ، فكان لا يشرب الخمر أبداً، ولا يأكل عليه السلام ما ذبح على النصبِ كما كانوا يفعلون، ولا يحضر للأوثان عيداً، حتى أنّه عليه السّلام بلغ من مكانته وسمعتهِ عند الناس أن كانَ رجلاً ذا شأن عظيم ، ومقام كريم، فكانَ أفضلَ قومه مروءةً ، وأحسنهم أخلاقاً ، وأكرمهم حسباً ، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثا في القول، وأعظم الناس حفظاً للأمانةِ ، فسمّي (الصادق الأمين ) ، و كان أبعدَ الناسِ من الفحش والأخلاق الدنيئة جداً، تنزهاً وتكرماً ، حتى بلغ أن سمّاه قومه الصّادق الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي وحتى بعد بعثتهِ استمر الناس بوضع الأمانات عند رسولنا الأمين، وكانوا يُقرّون له بما كانوا يصفونهُ، ويعترفون للنبي في مواقفهم الخاصّة والعامّة.
رُوي أنّ رسول الله قال : ( لقد رأيتني في غلمان قُرَيْش تنقلُ حجارة لبعض ما يُلعبُ به الغلمان ، كلنا قد تُعَرّى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة ، فإنّي لأقبل معهم كذلك وأدبرُ إذ لكمني لاكم ما أراهُ لكمةً وجيعة ً، ثمّ قال : شُدَّ عَليك إزاركَ ، قال : فأخذتُه وشددتهُ عليَّ ، ثمّ جعلت أخيل الحجارة على رقبتي ، وإزاري عليّ من بين أصحابي).
ومِن فضل الله تعالى وحبِّه ورحمتِهِ ومَنِّه على نبيهِ أن تعهَّد عباده وولاهم بالنِّعم، فمن عظائم ربوبيته أنّه سبحانهُ أرسل الرّسل والأنبياء وأنزل الكتب رحمةً للناس وإرشادهم إلى الطريق الصحيح ، ولم يتركِ الناسَ هملًا، بل أرشدهم إلى ما فيه سعادة لهم وفلاح لهم في الدنيا والآخرة، وذلك منذ بداية خلق البشر ، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾…سورة النحل.
من دلائل حفظ الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم
ومن هذه الدلائل التي تثبت حفظ الله لرسوله الكريم
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾…سورة الأنفال.
تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلَّم يُحْرس حتى نزلت هذه الآية: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }، فأخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأسَه من القبّة، فقال لهم: ( يا أيّها الناس، انصرفوا عني، فقد عصمني الله ).