رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالخلق

اقرأ في هذا المقال


رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالخلق:

لقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم العديد من صفات الجمال وصفات الكمال البشري، وقد تألّقت واتصفت روح النبي الكريم محمد صلى الله عليه الطاهرة بالكثير من عظائم الشمائـل والخِصال، وأيضاً الكثير الكثير من الصفات والأفعال المحمودة والكريمة، حتى أنه قد أبهرت سيرة النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام كلاً من القريب والبعيد، وقد تملكت هيبة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في العدوّ أيضاً وفي الصديق، حيث قد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ وأجمل تصوير حينما قال:

          “وأجمل منك لم ترَ قط عيني         وأكمل منك لم تلد النساء
  خُلقت مبرّأً من كل عيب                  كأنك قد خُلقت كما تشاء”

فمن سمات وصفات الكمال الأخلاقي التي يتحلّى بها النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – هو خُلُقُ الرحمة والرأفة بالآخر، فهو صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة لجميع البشر، فقد وهبه الله سبحانه وتعالى قلباً مليئ بالرحمة، قلباً يرقّ ويحسن للضعيف، وقلباً يحنّ على المساكين، وقلباً يعطف على كل الخلق أجمعين، حتىى أصبحت وصارت صفة الرحمة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سجيّة، فشملت رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كلاً من الصغير والكبير، وأيضاً كلاً من القريب والبعيد، وقد شملت المؤمن والكافر، فنال النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بذلك رحمة الله سبحانه وتعالى ، فالراحمون يرحمهم الرحمن الرحيم.

حيث قد تجلّت رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في العديد من المظاهر والمواقف، ومن بين تلك المواقف:

رحمة النبي بالأطفال:

كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال وكان صلى الله عليه وسلم يرقّ لهم، حتى كان عليه الصلاة والسلام كالوالد لهم، حيث كان يقبّلهم ويضمّهم، وكان عليه الصلاة والسلام يلاعبهم كما فعل بعبدالله بن الزبير عند وقت ولادته.

ومن المواقف جاءه أعرابي فشاهد النبي الكريم محمد صلى عليه وسلم يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب ذلك الرجل الأعرابي وقال: ” تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم ” فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ )”.

والنبي الكريم محمد صلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب، فكان عليه الصلاة والسلام إذا سجد وضعها، ومن ثم إذا قام حملها.

وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبي ، أسرع النبي محمد في أداء الصلاة وخفّفها، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي ،فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشقّ على أمّه” رواه البخاري ومسلم.

وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحمل الأطفال، وكان يصبر على أذاهم، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: “أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتبعه إياه” رواه البخاري.

وكان النبي الكريم محمد يحزن لفقد الأطفال، حيث كان يصيبه ما يصيب البشر، وذلك مع كامل الرضا والتسليم، ومع كامل الصبر والاحتساب، فعندما مات حفيد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن عبادة – رضي الله عنه : ” يا رسول الله ما هذا؟ فقال : ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) “.

رحمته بالنساء:

إن طبيعة النساء تمتاز بالضعف وقلة التحمل، حيث إن العناية بهم أعظم والرفق بهنّ أكثر، حيث قد تجلّى ذلك في خلق النبي الكريم محمد وسيرته على أكمل وجه، فحثّ سيدنا الحبيب المصطفى النبي الكريم محمد محمد صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات وعلى الإحسان إليهن، حيث كان يقول: “من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار “، بل إنه عليه الصلاة والسلام شدّد في الوصية بحق الزوجة وفي حق الاهتمام بشؤونها فقال: “ألا واستوصوا بالنساء خيرا ؛ فإنهنّ عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة “.

وضرب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التعامل اللطّيف مع أهل بيته الكرام، حتى إنه عليه الصلاة والسلام كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته الشريفة وتضع السيدة صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته الشريفة حتى تركب البعير، وكان عليه الصلاة والسلام عندما تأتيه ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ومن ثم يقبلها، وكان يجلسها صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي يجلس فيه.

رحمته بالضعفاء عموماً:

كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يهتمّ بأمور الضعفاء وأمور الخدم، الذين يعتبرون مظنّة وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على كل ما لديهم من حقوق، وكان يقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في شأن الخدم: “هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم “.

ومن مظاهر رحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلن بهم، ما جاء في قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه. رواه ابن ماجة وأصله في مسلم “.

ومثل ذلك أيضاً اليتامى والأرامل، فقد حثّ الرسول الكريم محمد الناس على كفالة اليتيم، وكان يقول: ” أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى “، وقد جعل الساعي على الأرملة وعلى المسكين كالمجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وكالذي يصوم النهار ويقوم في الليل، وقد اعتبر وجود الضعفاء في الأمة والقيام بالعطف عليهم هو سبب كبير من أسباب النصر على الأعداء، فقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: “أبغوني الضعفاء ؛ فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم “.

رحمته بالبهائم:

وقد شملت رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم البهائم وهي التي لا تعقل، فكان عليه الصلاة والسلام يحثّ الناس على الرفق بها، وحثهم على عدم تحميلها ما لا تطيق، فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته”.

 ودخل النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلم ذات مرة بستاناً لرجل من رجال الأنصار، فإذا في البستان جَمَل، فلما رأى الجملُ النبيَّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم مسح عليه حتى سكن، فقال: “( لمن هذا الجمل؟ ) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه” رواه أبو داوود.

رحمته بالجمادات:

حيث لم تقتصر رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على الحيوانات فقط، بل أنها وصلت إلى الجمادات، فقد قد روت لنا كتب السيرة النبوية حادثة عجيبة تدل تلك الحادثة على رحمته صلى الله عليه وسلم على شفقته بالجمادات، وهي “حادثة حنين الجذع” ، “فإنه لمّا شقّ على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم طول القيام، استند عليه الصلاة والسلام إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب النبي الناس اتّكأ عليه، ثم ما لبث النبي أن صُنع له منبر، فتحول إليه وقد ترك ذلك الجذع، فحنّ ذلك الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتاً كصوت البعير، فأسرع إليه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فاحتضن الجذع حتى سكن، ومن ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: ” لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة” رواه أحمد.

رحمته بالأعداء حرباً وسلماً:

فعلى الرغم من العديد من أشكال الأذى التي ذاقها وتلقاها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم من الكفار في العهد المكي قبل الهجرة، إلا أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل مع الأعداء، وليس أدلّ وأثبت على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه، وذلك عندما أسره المسلمون ومن أتوا به إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقاموا بربطه بسارية من سواري المسجد، حيث مكث على هذه الحال مدة ثلاثة أيام وهو يرى ويشاهد المجتمع المسلم عن قرب، حتى دخل الإيمان في قلبه، ثم أمر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، عندها انطلق إلى نخل قريب من المسجد حيث اغتسل، ومن ثم دخل المسجد فقال: ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد: والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي “، وسرعان ما تغير حال الصحابي ثمامة فانطلق إلى قوم قريش يهددها وذلك من خلال قطع طريق تجارتهم، حيث صار درعاً يدافع عن دين الله الإسلام والمسلمين.

لقد كانت حياة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كلها رحمة، فنبينا رحمة، وشريعته ورسالة رحمة، وكل سيرته رحمة، وسنته أيضاًَ رحمة، وصدق الله عز وجل إذ يقول: “{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }” ( الأنبياء : 107 ) .


شارك المقالة: