سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة:
جرت العديد والكثير من الغزوات والسرايا في عهد رسول الله محمد صلى الله وسلم، وكان هناك أهداف وغايات من تلك السرايا والغزوات، ولكن الهدف الأسمى من تلك السرايا والغزوات نشر الدين الإسلامي، حيث بنشر الدين الإسلامي انتشر الأمن والأمان والسلام في مكة المكرمة وفي كل مكان، وكان أيضاً من هذه الأهداف هو تحقيق سيادة المسلمين في الأرض وأيضاً استخلافهم فيها، وكانت من هذه الأهداف هو هزيمة الكفر والشرك ونشر دين الإسلام وأيضاً كشف العديد والكثير من مكائد اليهود وخبثهم، عوضاً عن إتقان جيش المسلمين للخطط العسكرية والحربية.
السرية : وهي التي لم يشارك رسول الله سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم فيها، بل من شارك فيها وقادها هو أحد الصحابة الكرام وكان للسرايا دور كبير وعظيم في ردع الكفار والمشركين.
وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عبد الله بن جحش بن رئاب الأسد وذلك في شهر رجب، وقد أرسله ومعه عدد ثمانية رهط من الرجال المهاجرين، لم يكن فيهم أي رجل من رجال من الأنصار، وقد كتب له كتاباً، ومن ثم أمره أن لا ينظر في ذلك الكتاب حتى يسير مسير مدّة يومين ومن ثم ينظر في ذلك الكتاب، عندها يمضي لما أمره به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن لا يستكره أحدًا من أصحابه.
وكان من أفراد السرية وكان أصحابه هم الصحابة الكرام: الصحابي أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس رضي الله عنه والصحابي عكاشة بن محصن الأسدي رضي الله عنه، والصحابي عتبة بن غزوان رضي الله عنه، والصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، والصحابي عامر بن ربيعة رضي الله عنه، والصحابي واقد بن عبد الله رضي الله عنه والصحابي خالد بن البكير رضي الله عنه، والصحابي سهيل بن بيضاء رضي الله عنه.
فما كان من القائد إلّا أنّ طبق ونفذ أوامر النبي الكريم محمد صلى اللهّٰ عليه وسلم، فعندما سار القائد الصحابي عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب الذي أخذه من النبي ونظر فيه، فإذا كان في ذلك الكتاب:
“إذا نظرت في كتابي هذا؛ فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم”، فعندما نظر في ذلك الكتاب، قال: “سمعاً وطاعة”، ومن ثم قال ذلك لأصحابه الكرام رضوان الله عليهم جميعاً، وقال: “قد نهاني أن أستكره أحدًا منكم، فمضوا لم يتخلف عليه منهم أحد”.
وقد سلك على طريق الحجاز حتى إذا كان بمكان يقال له معدن وهو فوق الفرع، يسمّى: معدن بحران، أضل وأضاع الصحابي سعد بن أبي وقاص والصحابي عتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يتعقبانه (يركبان على البعير)، عندها تخلفا عليه في طلبه.
وقد مضى الصحابي الجليل عبد الله بن جحش ومعه أصحابه حتى وصل إلى نخلة ونزل بها، حينها مرت به عير لقريش، فعندما رآهم القوم هابوهم وخافوا منهم وقد نزلوا حينها قريباً منهم، عندها أشرف وقدم عليهم الصحابي عكاشة بن محصن رضي الله عنه، وكان الصحابي الجليل عبد الله بن جحش قد حلق رأسه، فعندما رأوه أمِنوُا ومن ثم قالوا: “عمار، لا بأس عليكم منهم”، وقد تشاور القوم فيما بينم، وكان ذلك في آخر يوم من أيام شهر رجب، فقال القوم: “والله لئن تركتم القوم في هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام”، عندها تردد القوم بعض الشئ وقد هابوا الإقدام عليهم، ومن ثم شجعوا أنفسهم عليهم، عندها أقبل الصحابي الجليل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وأيضاً الأسيرين حتى قدموا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.
وقد ذكر بعض من آل الصحابي الجليل عبد الله بن جحش رضي الله عنه أن عبد الله قال لأصحابه الكرام: “إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خُمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه”. قال ابن إسحاق: “فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام»”.
عندها وقف العير والأسيرين، وقد أبى ورفض أن يأخذ من ذلك شيئاً، فعندما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سُقط في أيدي القوم، وقد ظن القوم أنّهم قد هلكوا.
وكان موقف قبيلة قريش ممّا حدث هو أنّ قريش قالت: “إذا استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين ممّن كان بمكة: إنّما أصابوا ما أصابوا في شعبان”.
فعندما أكثر الناس في ذلك الكلام أنزل اللهّٰ سبحانه تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ} [البقرة: 217] حينها فرج الله سبحانه وتعالى عن المسلمين ما كانوا فيه، وقد قبض رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم العير وأيضاً الأسيرين.
وكان موقف قبيلة قريش أيضاً هوا أن قريش بعثت إليه في فداء الأسيرين عثمان بن عبد الله وأيضاً الحكم بن كيسان، حينها قال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “لا نفديكما حتى يقدم صاحبانا – يعني: سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان – فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم”. فقدم الصحابيان سعد وعتبة رضي الله عنهم جميعاً، عندها أفداهما رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم منهم.
وكان هناك موقف من الأسيرين في الإسلام، فأما الرجل الأول أو الأسير الأول وهو الحكم بن كيسان فقد أسلم وحسن إسلامه أيضاً، وقد أقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مات الحكم في بئر معونة شهيدًا، وأمّا عن الرجل الثاني أو الأسير الثاني وهو عثمان بن عبد الله فقد لحق بمكة المكرمة ومات بها كافراً.
وكانت تلك السرية من السرايا التي حدثت في عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والتي قادها الصحابي الجليل عبد الله بن جحش رضي الله عنه ومعه مجموعة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والذي كانوا من السابقين الأولين في دخول دين الله الإسلام، وقد نزلت في هذه السرية آيات من القرآن الكريم من سورة البقرة.