سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم

اقرأ في هذا المقال


سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم:

جرت العديد والكثير من الغزوات والسرايا في عهد رسول الله محمد صلى الله وسلم، وكان هناك أهداف وغايات من تلك السرايا والغزوات، ولكن الهدف الأسمى منها هو نشر الدين الإسلامي، حيث بنشر الدين الإسلامي انتشر الأمن والأمان والسلام في مكة المكرمة وفي كل مكان، وكان أيضاً من هذه الأهداف هو تحقيق سيادة المسلمين في الأرض وأيضاً استخلافهم فيها، وكانت من هذه الأهداف هو هزيمة الكفر والشرك ونشر دين الإسلام وأيضاً كشف العديد والكثير من مكائد اليهود وخبثهم، عوضاً عن إتقان جيش المسلمين للخطط العسكرية والحربية.
السرية : وهي التي لم يشارك رسول الله سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم فيها، بل من شارك فيها وقادها هو أحد الصحابة الكرام وكان للسرايا دور كبير وعظيم في ردع الكفار والمشركين.

زمان وموقع سرية عُيينة إلى بني تميم:

وقعت أحداث تلك السرية في شهر محرم من العام التاسع من الهجرة النبوية الشريفة (9)هـ، وكانت تلك السرية في أرض السقيا وهي التي تبعد عن الجحفة مسافة 17 ميلاً.

القيادة في سرية بني تميم:

كان قائد تلك السرية هو الصحابي الجليل عُيينة الفزاري، وعيينة هو أحد الأعراب المؤلفة قلوبهم، وقد خرج رضي الله عنه ومعه خمسين فارسًا من الأعراب ليس فيهم أي أحد من المهاجرين ولا من الأنصار، وكان خروج تلك السرية ليتم تأديب بني تميم، وبني تميم: “قبيلة عربية تسكن شمال نجد، ومشهورة بالحروب”.
كان الصحابي الجليل عيينة بن حصن رضي الله عنه ممن قد دخلوا دين الإسلام قبل الفتح وقد شهد رضي الله عنه حنين والطائف أيضاً، وقد سمي بالأحمق المطاع وذلك بسبب أنه كان يتبعه عدد عشرة آلاف مقاتل أينما ذهب من قومه، وقد عفا عنه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بعد غارة قديمة قد شنها ضد رعي المسلمين، فلم يقتله، وقد جاء أنه قد ارتد عن الدين في زمن الصحابي أبي بكر الصديق، ومن ثم عاد لإسلامه، وقد كان فيه جفاء الأعراب).

أسباب سرية عُيينة لبني تميم:

وكان أسباب هذه السرية هو إغارة قوم بني تميم على قوم من خزاعة، عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم الصحابي بشر بن أبي سفيان العدوي رضي الله عنه حتى يأخذ الصدقات، عندها جمعوا له ما قد طلبه، ولكن قوم بنو تميم المجاورين لهم في تلك الأرض استكثروا ما يريد أن يأخذه المسلمين من تلك الصدقات رغم رضا قوم خزاعة وقولها بإسلامها، حينها شهروا السيوف ومن ثم تعهدوا بعدم خروجه، وبذلك قد أدخلوا أنفسهم في حرب ونزاع مع المسلمين.

أحداث سرية عُيينة لبني تميم:

عندما شاهد قوم بني تميم جارتها قوم خزاعة تقوم بجمع الصدقة المفروضة عليها وذلك بعد إسلامها، قالوا وأقسموا: “لا يصل إلى بعير منها أبدا” (أي مبعوث رسول الله)، فولى الصحابي رضي الله عنه وأخبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بما كان.
وكان من قوم خزاعة أن وثبوا على تميم لأنهم يخشون غضب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قائلين: “ليدخلن علينا بلاء من محمد صلى الله عليه وسلم حيث تعرضتم لرسوله تردونه عن صدقات أموالنا”.
وعندما علم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بذلك الأمر، قال: “من لهؤلاء القوم، فانتدب أول الناس عيينة”، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في فرسان من العرب لم يكن منهم من أصحابه الكرام المهاجرين ولا الأنصار وذلك ليجنبهم ملاقاة قساة الأعراب.

هجوم عيينة على بني تميم:

سار الصحابي الجليل عيينة بن حصن بالفرسان معه وكان رضي الله عنه يسير بالسرية في وقت الليل وكان يكمن في النهار، وبعد ذلك هاجمهم بغتة حينها هرب القوم، وقد أسر الصحابي عيينة منهم عدد أحدى عشر رجلاً، وأحدى عشر امرأة وثلاثين من الصبيان، حينها جاء بهم إلى المدينة المنورة. [ابن هشام 4/479]

عفو النبي عن أسرى تميم:

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبس الرهائن والأسرى في دار “رملة بنت الحارث” وهي إحدى دور الضيافة وهي التي كانت للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة وهي لصحابية من بني النجار.
حيث قد جاء من رؤساء بني تميم، يعتذرون للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه العفو عن هؤلاء، حينها عفا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن الأسرى وعن السبي، وقد تركهم يعودون إلى قبيلتهم ولم يمسسهم أي سوء. [ابن سعد 2/160]

النهي عن إيذاء النبي في بيته:

وفي عام الوفود، وهو العام التاسع من الهجرة النبوية الشريفة، جاء وفد من قوم بني تميم على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان فيهم رؤساؤهم ومنهم “عطارد بن حاجب، الأقرع بن حابس، الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم”، وهم أشراف وزعماء ورؤساء بني تميم، فعندما اقتربوا من مسجد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، صاحوا على النبي الكريم محمد بصوت غليظ وعال وذلك حتى يخرج إليهم، وقالوا: “أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين، وذمنا شين” .
فخرج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقد ساءه ما قد فعلوه، وقال: “إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين” [رواه الترمذي 3267]

وقد نزل في هذه الحادثة قول الله سبحانه وتعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [الحجرات:4،5]

وقد قال وفد تميم: “نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك”، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا “.

مناظرة شعراء تميم والإسلام:

حينها قام أحد شعراء من بني تميم فقال: “الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً، ووهب لنا أموالاً عظاماً، نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عدداً، وأيسره عدة، فمن مثلنا في الناس وأولي فضلهم ‌؟‌ “.
حينها رد عليه الصحابي الجليل ثابت بن قيس وهو رضي الله عنه خطيب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بمقالة جاء فيها: “الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً، واصطفى من خير خلقه رسولاً، أكرمه نسباً، وأصدقه حديثاً، وأفضله حسباً، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين.. فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً، وكان قتله علينا يسيراً وبدأت مباراة الشعراء، واحد من تميم لقاء واحد من المسلمين”.
وكان شعراء من بني تميم كانوا يفاخرون قبيلتهم فدعا الزبرقان أحد الرجال منهم فأنشد أبياتاً، ومن هذه الأبيات:

“نحن الكرام فلا حي يعادلنا…… نحن الرؤوس وفينا يقسم الربع
إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد………. إنا كذلك عند الفخر نرتفع”


بعد ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليّ بحسان بن ثابت”، بعد ذلك حضر الصحابي الجليل فقال له: قم فأجبه، ومن ثم أنشد:

“نصرنا رسول الله والدين عنوة …….. على رغم عات من بعيد وحاضر

وأحياؤنا من خير من وطىء الحصا ……. وأمواتنا من خير أهل المقابر”

ماذا قال قادة تميم حين أسلموا؟

عندما استمع وفد بني تميم لما قاله المسلمون من خطابة وشعر، قام رجل منهم اسمه الأقرع بن حابس، فقال: “إن محمدا لمؤتى له والله ما أدري هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا “، ومن ثم اقترب من النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال: “أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله”، فقال له النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – : ” ما يضرك ما كان قبل هذا ” ثم أعطاهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكساهم”.
وقد برز وظهر من قبيلة بني تميم الكثير والعديد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وكان من أشهرهم الصحابي الجليل الأقرع بن حابس رضي الله عنه، وقد شهد رضي الله عنه فتح مكة المكرمة وأيضاً الطائف وأيضاً حنين وكان رضي الله عنه من المؤلفة قلوبهم، وأيضاً قيس بن عاصم المنقري الذي أسماه النبي محمد “سيد أهل الوبر” [الإصابة 3/253].
وبعد ذلك أسلم القوم ومن ثم بقوا في المدينة المنورة مدة من الوقت يتعلمون فيه الدين العظيم والقرآن الكريم، ومن ثم أرادوا بعد ذلك الخروج والرجوع إلى قومهم، حينها أعطاهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسراهم وأيضاً نساءهم، وقال: “أما بقي منكم أحد؟ وكان عمرو بن الأهتم في ركابهم، فأعطاه مثلهم”. [السيرة الحلبية 3/221].

الدروس المستفادة من سرية عيينة لتميم:

  • من الدروس المستفادة من حكمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في اختيار المقاتلين والقادة للسرايا؛ فلم يكن هناك أسدى وأفضل لقتال أعراب قوم بني تميم أهل الحرب إلا فرسان أعراب مثلهم يشبهونهم، وليس صحابة النبي الكرام محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم أنه اختار الصحابي الجليل عيينة بن حصن لرئاستهم في السرية وكان رضي الله عنه من المؤلفة قلوبهم وله رضي الله عنه ماض معروف في الحروب مشهود.
  • كرم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وسماحته يؤلف القلوب.
  • التوجيه الإلهي في طريقة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناداته بصوت منخفض والصبر لأن ذلك الأمر خير للمؤمنين .



شارك المقالة: