اقرأ في هذا المقال
- شجاعة وقوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم
- شجاعته صلى الله عليه وسلم
- قوته البدنية صلى الله عليه وسلم
شجاعة وقوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم:
صفة الشجاعة كما عرفها ابن القيم: “هي ثبات القلب عند النوازل”، ونبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان من أشجع الناس على الإطلاق، والسيرة النبوية الشريفة مليئة بالمواقف التي تدل على مدى شجاعة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقوته.
تلك هي صفة الشجاعة والقوة التي تجلَّت في أبهى وأروع صورها جهاداً في سبيل الله عز وجل، وتجلت في الثبات عند الكثير من الشدائد والنوازل، حيث كان كل ذلك دفاعاً عن الحق وعن نصرة المظلومين، حيث قد شُهد للنبي بكل ذلك أصحابه الكرام رضوان الله عليهم وأعداؤه أيضاً، فقد كان سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه من الشجاعة والقوة بالمكان الذي لا يُجهل، حيث حضر في المواقف والمعارك الصعبة، وهو صلى الله عليه وسلم ثابت لا يتزحزح أبداً، قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كنا إذا حمي البأس (القتال)، واحْمرَّت الحَدَق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه” رواه أحمد.
وعن سيدنا الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبى طلحة عُرْي (مجرد من السرج)، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا (لا تخافوا ولا تفزعوا))” رواه البخاري.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: “ما رأيتُ أشجع ولا أنْجد (أسرع في النجدة) من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
شجاعته صلى الله عليه وسلم:
في واقعة غزوة بدر وأحد وغيرهما من الغزوات قاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تلك المعارك والقتال بنفسه، وقد خاض عليه الصلاة والسلام غمار الموت بروحه، وقد شُجَّ في وجهه الشريف، كما كُسِرت رَباعيتُه عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري ومسلم.
وفي يوم غزوة حُنَيْن ثبت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في وجه الآلاف من قبيلة هوازن، وذلك بعد أن تفرق عنه الناس بسبب الخوف وأيضاً اضطراباً من الكمين والفخ المفاجيء الذي تعرض له المسلمون من هوازن، ويصف البراء بن عازب رضي الله عنه هذا الموقف فيقول لرجل سأله: “أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: (أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولَّى، ولكنه انطلق أخِفَّاء من الناس وحُسَّر (من لا سلاح معهم) إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رِجْل (قطيع) من جراد فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب” رواه مسلم.
فلم يفرَّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من معركة أبداً، ولم يتراجع خطوة واحدة عندما أشتد القتال، حيث يقوم القتال وتقوم الحرب وتُشرع السيوف، ويدور كأس المنايا على النفوس فيها، فيكون سيدنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات العصيبة والشديدة أقرب أصحابه من الخطر، حيث لا يكترث أبداً بعدوّه وحتى لو كثر عدد الأعداء، ولا يأبه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالخصم ولو قوي بأسه، ومن ثم كان أصحابه الكرام رضوان الله عليهم يحتمون بالنبي عند حدوث النوازل والشدائد والمصاعب وهو ثابت شجاع.
قال البراء: “كنا والله إذا احمر البأس (الحرب) نتقى به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به ـ يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ـ” رواه مسلم، وقال ابن كثير في تفسيره بعد سياق هذا الحديث: “وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة، أنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا على بغلة، وليست سريعة الجري، ولا تصلح لفر ولا كر ولا هرب، وهو مع هذا يركضها على وجوههم وينوه باسمه”.
ـوعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غَزَاة قِبَلَ نَجْد، فأَدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القائلة في واد كثير العِضَاهِ (شجر فيه شوك)، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فَعلّق سيفه بِغُصْن مِن أغصانها، وتفرّق الناس في الوادي يستظلون بالشجر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، والسيف صَلْتا (مسلولا) في يده فقال: مَن يَمْنَعُكَ مني؟ قلت: الله، فشامَ السيف (رده في غِمْده)، فها هو ذا جالِس، ثم لم يعرِض له رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه مسلم.
وقال ابن حجر في كتاب فتح الباري: “وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه، وصبره على الأذى، وحلمه عن الجهال”.
قوته البدنية صلى الله عليه وسلم:
من الأمثلة على قوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم البدنية هو ما حدث في يوم حفر الخندق في غزوة الأحزاب، فعند حفر الخندق لم يقدر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عن كسر صخرة ضخمة وعظيمة قد عرضت لهم في طريق الحفر، حينها استنجدوا بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي محمد المعول ومن ثم ضربها حتى عادت كثيباً أهيل “كالرمل الذي لا يتماسك”، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله، فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال:الله أكبر، أُعْطِيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال” باسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا” رواه أحمد وحسنه الألباني في فقه السيرة.
وفي قصة مصارعة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع ركانة وغلبته له، دلالة واضحة على مدى قوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم البدنية، فقد وصل ركانة من القوة والشدة أنه لم يستطع أي أحد أن يأتي بجانب ركانة إلى الأرض.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: “وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنه: أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل مرة على مائة من الغنم فلما كان في الثالثة قال: يا محمد، ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إليَّ منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وردَّ عليه غنمه”.
لقد كانت شجاعة وقوة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أمراً واضحاً ظاهراً في حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم، حيث يقول القاضي عياض: “أما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يُحمد فعلها دون خوف، وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذي لا يُجْهَل، قد حضر المواقف الصعبة وفرَّ الكماة (الفرسان الشجعان) والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومُقْبِل لا يُدْبِر ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أُحْصِيَت له فرة وحفظت عنه جولة، سواه (غيره صلى الله عليه وسلم)”.
ومـع تلك الشجاعة البالغة، حيث إن تلك القـوة العـظيمة التي كان يتحـلى بها سيدنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذه الصفات لم تكن أبداً بطش إلا في عدة مواطن منها مواطن قتال الأعداء من الكفار والمسلمين والجهاد في سبيل الله عز وجل، فمن الثابت والمعروف عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يضرب امرأة قط ولم يضرب خادماً أبداً، ولم يَنتقِمْ لنفسِه قطُّ أيضاً، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: “وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قطُّ، إلا أن تُنْتَهَك حرمةُ الله؛ فينتقم لله تعالى” رواه البخاري.
وفي رواية لمسلم قالت رضي الله عنها: “ما ضربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قطُّ، إلا أن يجاهدَ في سبيل الله”.
فقد كانت أخلاق نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يضرب فيها المثل وهي خير مثالٍ للقدوة الحسنة، فالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شجاع في موطن الشجاعة، وهو دائماً ما يكون قوي في موطن القوة، وهو صلى الله عليه وسلم صاحب عفو في موطن العفو، وهو إنسان رحيم رفيق في مواطن الرحمة والرفق أيضاً، فصلوات الله وسلامه عليه، وقد قال الله سبحانه وتعالى عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4).