اقرأ في هذا المقال
صور من حياة آدم عليه السلام على الأرض:
عندما أُهبط آدم وحواء على الأرض واستقرت قدَماهما، أصبحا في حاجة إلى المأكل والمشرب والملبس، وقام آدم بأعمال كثيرة كبناء الكعبة ومعرفة أوقات الصلاة والضرب في الأرض، ثم غشي آدم وزوجه فحملت وولدت له الأولاد فتَكاثرت ذريته وملأت الآفاق وكونوا الشعوب والقبائل وبنوا القرى والمدن، فكيف كانت حياة آدم عليه السلام على الأرض، هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال هذا المبحث.
ملبس آدم عليه السلام:
ملابس عندما شعر آدم وزوجه بالعرِي في الجنة طَفقا يَخصفان عليهما من ورق الجنة لكي يُواري كل منها سوأته عن الآخر، فعندما هَبطا إلى الأرض كان من الطبيعي أن يتساقط ورق الشجر ويتناثر في الهواء، فاستلزَم الأمر كسوةً يكسو كل منهما جسده، كي يستر عورته أولاً، ولكي تقيه من حرارة الشمس وبرد الليل ثانياً. فكيف ستر آدم وزوجه عورتهما.
ذكر الطبري وابن الأثير وابن سعد عن ابن عباس قال: لما رأى الله عُري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشاً من الضأن من الثمانية الأزواج التي أُنزل من الجنة، فأخذَ كبشاً فذبحهُ ثم أخذ صوفه فغزلتهُ حواء ونسجه هو وحواء، فنسج آدم جُبة لنفسه، وجعل لحواء دِرعاً وخماراً فلبِسا ذلك.
وذكر الدّيار بكري في تاريخه: أن آدم وحواء عندما هَبطا إلى الأرض وتناثرت أوراق الشجر بعد يبسها فظهرت عوراتهما، ورأى كلٌ منهما عورة الآخر، وشكا آدم إلى جبريل فجاء بشاةٍ من الجنة عظيمة لها صوف كثير، وقال جبريل لِآدم: قل لحواء تغزل من هذا الصوف وتنسج منه لباسك ولباسها، فَغزلت حواء ذلك الصوف ونسجتهُ واتخذت منه لنفسها درعاً وخماراً، ولِآدم قميصاً وإزاراً وكان ذلك أصلُ اللباس ثم توسع فيه الناس حيث شَاءوا.
وذكر الثعلبي أيضاً قولاً قريباً من هذا، حيث قال: قال أهل الأخبار أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض وأصاب جسده أذى الهواء وأحس به، اشتكى وحشة بجسده، وكان قد اعتاد هواء الجنة، فشكا ذلك إلى جبريل فقال إنك تشكو العربي، فأنزل عليه الثمانية أزواج المذكورة في سورة الأنعام:” من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ثم أمرهُ أن يذبح كبشاً منها، فذبحه، ثم أخذ صوفه فغزلتهُ حواء ونسجه آدم فجعل منه جبةً لنفسه، وجعل لحواء دِرعاً وخماراً، لبساهُ وبكيا على ما فاتهما من لباس الجنة، فحواء أول من غزلت وآدم أول من نسج ولبس الصوف.
هكذا تولى الله رعاية آدم وحواء على هذه الأرض، وسهل لهما الحصول على الملبس الذي يستُران به عوراتهما ويَقياهما من الحرّ والبرد، فالُصوف إذن كان أول لباس لهذه البشرية وما زال الصوف يُستعمل عند القبائل البدائية والقبائل البدوية، فهم ينسجون من أصواف الإبل والمعز والضأن بيوتاً كي تُقيهم شدائد الحرّ والبرد، وينسِجون منها كذلك ملابسَ لهم ولأطفالِهم، ويصنعون منها سجاد من أجل الجلوس عليه، وهكذا كان الصوف أول ما استعمله آدم وزوجه، وبقي استعماله إلى هذا الوقت.
أكل آدم عليه السلام ومشربه:
لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون أن يأكل ويشرب، فقد كان من الطبيعي أن يحتاج آدم وحواء إلى طعامٍ وشراب، فقد كانا يأكلان ويشربان من قبل في الجنة بدون عناء وتعب وكان كل شيء متوفراً لهما، ولكن بعد هبوطهما إلى الارض كانا لا يعرفان كيف هي طريقة الحصول على الطعام والشراب، لأنهما شعرا بالجوع.
لقد ذكر الثعلبي: ان آدم بعد ستر عورته اشتكى فقال له جبريل ما الذي أصابك؟ فقال: اجدُ في نفسي قلقاً واضطراباً لا أجد إلى العبادة منهُ سبيلا، وإني أجدُ بين لحمي وجلدي دبيباً كدبيب النحل، فقال له جبريل: ذلك يسمى الجوع، قال: وكيف الخلاص من ذلك، قال: سوف أهديك إلى ذلك، فغاب عنه ثم جاءه بثورين أحمرين والعِلاة يعني السندان والمطرقة والمنفخة والكلبتين، ثم جاءه بشرر من جهنم، ثم أمره جبريل باتخاذ آلة الحرث، فهو أول من عمل الحديد، ثم أتاه بصرة من حِنطة فقال آدم: ما أصنعُ بذلك كله، فقال: يا آدم خذها فإنها سببُ سدّ جوعك وبها أخرجت من الجنة وبها تحيا في الدنيا، وعلمه الحصاد والطحن والعَجين والخَبيز، فهو أول من خبز، فلما أخرجه قال: أكله قال لا حتى يبرد، فلما برد لأكله دمعت عينا آدم عليه السلام وقال ما هذا التعبُ والنصب؟ قال له: هذا وعد الله الذي وعدك فذلك قوله: “إنّ هذا عدوٌ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى” طه:117. أما آن لك أن تأكل من كد يمينك وعرق جبينك أنت وذريتك، فما استوفى آدم الطعام شكا من بطنه ولم يدر ما هو؟ فشكا ذلك إلى جبريل عليه السلام فقال: ذلك العطش قال: فيم أُسكنه، فغاب عنه ثم عاد إليه ومعه المعول وقال له: أحفر الأرض، فما زال يحفر حتى بلغ إلى ركبتيه، فنبع الماء من تحتِ قدميه ماءً زلالاً أبرد من الثلج وأحلى من العسل، وقال يا آدم اشرب منه فشربها فاطمأن، ثم إنه بعد ذلك وجد تشكيا أشد من الأول والثاني فقال لجبريل ما هذا الذي أجده؟ قال: لا أدري، فبعث الله إليه ملكاً ففتق قُبلهُ ودُبُره، ولم يكن قبل ذلك الطعام مخرج فلما خرج منه ما آذاه ووجَد ريحه بكى.
إذن فالحِنطةُ كانت هي أول طعامٍ لآدم وزوجه على حسب الرواية المروية عن ابن عباس. وقد اعترض الطبري عليها قائلاً: إنها خلاف ما جاءت به الروايات عن سلف أمة نبينا وذلك أن الشجرة التي نهى عنها آدم وزوجه هي السنبلة.
فمن خلال ما سبق تقريره، نجد أن أصل الطعام والثمار والطيب من الجنة، إلا أن الإنسان يجدُ مشقةً في الحصولِ على هذه الأمور، فهي تحتاج إلى فلاحة وسقايةٍ ورعاية، وأن بعضها يحتاج إلى حصدِ وذر وطحنٍ وعجنٍ وخبز، من أجل أن يؤكل، ويكون طعاماً وشراباً يتناوله الإنسان، فالطعام والشراب يحتاجانِ من الإنسانِ إلى مشقةٍ وتعب وصبراً حتى يستطيع نيلهُما.
ويُعلق الطبري على هذه المشقة في الحصول على الطعام فيقول: فكان معلوماً أن الشقاء هو مشقة الوصول إلى ما يُزيل الجوع والعري عنه وذلك هي الأسباب التي بها يصلُ أولاده إلى الغذاء،من حِراثة وبذرٍ وعلاج وسقي وغير ذلك من الأسباب الشاقة المؤلمة، ولو كان جبريل أتاه بالغذاء الذي يصل إليه ببذرة سائر المؤن غيره، لم يكن هناك من الشقاء الذي توعد به ربه على طاعة الشيطان ومعصية الرحمن كبير خطب، ولكن الأمر كان.
أما عن الطيب وكيف انتشر في الأرض فقد أنزل آدم أصله من شجر الجنة كما ذكر الطبري عن مجاهد عن ابن عباس: أن آدم حين خرج من الجنة كان لا يمر بشيء إلا عبث به، فقيل للملائكة دعوة فليتزود ما شاء منها، فنزل حين نزال بالهند وأن هذا الطيب الذي جاء به من الهند مما خرج به آدم من الجنة.