لقدْ كانّ للتّابعين من بعدِ صحابة رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلَّم جهودٌ كبيرةٌ في مسيرةِ الحديث النَّبويِّ الشّريفِ، وقد لازموا الصّحابة ونقلوا عنهم ونقلوا عن بعضِهم لخشيتِهم من ضياعِ الحديث النّبويِّ بموتِ من أخذوه وحفِظُوه وتفرُّقِهم في الأمصار الإسلاميّةِ، فرحلوا في طلب الحديثِ ولازموا أصحابَهُ، وما زلنا في مركبِهم نبحَثُ عن سِيَرِهم المُضيئة بالعلمِ حتّى وصلنا إلى الرّاوي عمرو بن مرَّةَ، فتعالوا نقرأ في سيرَتِهِ مع الحديثِ النّبويِّ.
نبذة عن عمرو بن مرة
هو: التّابعيُّ الجليلُ، أبو عبدِ اللهِ، عمرو بنُ مرَّةَ الجَمَلِيُّ، من رواة الحديثِ النّبويِّ، وكانَ من علماء الكوفةِ بالعراق، واشتهرَ بكَثْرَةِ العبادة، وكانَ ضريراً ولمْ يمنعه ذلكَ من تلقي الحديثِ ونَقْلِه، وكانَ موئلاً للعلم في زمانِه لطلبة العلمِ وكانت وفاتُه في العام السّادسِ عشرَ بعد المائةِ من الهجرة النّبويَّة وقيل في العام الثّامنِ عشر بعد المائة رحمه الله.
روايته للحديث
كانَ عمرو بنُ مرَّةَ من رواة الحِديثِ النّبويِّ الشّريفِ، وقد روى الحديثَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ أبي أوْفى من جيل الصّحابة رضي الله عنهم، كما روى عن جيل التّابعينَ عنْ كثيرٍ من المحدّثينَ من أمثالِ: شقيقِ بنِ سَلَمَةَ وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ وعبدِ الرّحمنِ بنِ أبي ليلى وسعيدِ بنِ جُبيرٍ وإبراهيمَ النّخعِيِّ وأبي بُردَة ووسالم بنِ أبي الجَعْدِ وطلقِ بنِ حبيبٍ وغيرٌهم رحمهم الله، كما روى الحديث من طريقِهِ كثيرٌ من الرّواةِ المحَدِّثينَ من أمثالِ: سليمانَ بنِ مَهرانَ الأعمشِ ومنصورِ بنِ المُعْتَمِرِ وشُعْبَةِ بنِ الحجّاجِ وعبدِ الرّحمنِ الأوزاعيِّ وسُفيانَ الثَّورِيِّ وغيرهم يرحمهم الله وكانَ من أهلِ الثّقة في الرّوايَة وحديثُهُ عندَ جماعَة الحديثِ.
من رواية عمرو بن مرة للحديث
ممّا وَرَدَ من روايَة الحديثِ من طريقِ عمرو بنِ مُرَّةَ ما أوْرَدَه الإمامُ مُسلمُ بنُ الحَجّاجِ في صحيحه: (( حدّثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى، وابنُ بَشّارٍ، قالا: حدّثَنا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قالَ: حدّثَني شُعْبَةُ، عنْ عمرو بنِ مُرَّةَ، عنْ أبي موسى، قالَ: قامَ فينا رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ بأَرْبعٍ: ( إنَّ اللهَ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغي لَهُ أنْ ينامَ يَرْفعُ القِسْطَ، ويَخْفِضُهُ، ويَرْفَعُ إلَيْهِ عمَلُ النّهارِ باللّيلِ، وعضمُلُ اللّيلِ بالنّهارِ ) من كتابِ الإيمانِ، رقم الحديثِ179/295 )).