غزوة الغابة

اقرأ في هذا المقال


بعد أن وقعت حادثة صلح الحديبية، كانت هناك عدّة نشاطات عسكرية وغزوات حدثت بعدها، ومن هذه الغزوات كانت غزوة الغابة، أو ما يعرف بغزوة ذي قرد.

سبب الغزوة

وكانت هذه الغزوة أول غزوات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد موقعة الحديبية، ووقعت بعد صلح الحديبية وقبل غزوة خيبر، وكان سبب هذه الغزوة عندما قام رجل اسمه عبد الرحمن الفزاري وأغار على خيل غطفان، وكان يلقب ذلك الرجل (الأحمق المطاع)، وكانت هذه الخيل موجودة على حدود المدينة في منطقة اسمها الغابة ترعى فيها إبل النبي عليه السلام، وقام بقتل كل الرّعية، عندها علم بذلك الأمر غلامٌ للصحابي عبد الرحمن بن عوف، حيث أسرع نحو المدينة المنورة حتى يخبر النبي عليه السلام بما حصل.

فكان الغلام مصادفاً للصحابي الشجاع سلمة بن الأكوع، وأخبره بالذي حصل وما فعله عبد الرحمن الفزاري، فقام الصحابي سلمة بن الأكوع وصعد على جبل في المدينة، ونادى بصوت عالٍ وقال: (يا صباحاه)، وقالها ثلاث مرات حتى يسمع أهل المدينة ما قال، وبعدها ركض بشكل سريع منطلقاً خلف العدو، وكان معه سيفه ونبله.

ومن بعد أن انطلق الصحابي سلمة وحده خلف العدو، كان عددهم بالمئات وكان وحيداً، وكان يُعرف عن سلمة أنّه أسرع العرب حينها، لدرجة أنّ سلمة كان يسبق الخيل على قدميه، حتى وصل قرب من العدو قائلاً لهم:

أنا ابن الأكوع *** واليوم يوم الرُّضع

وأصبح سلمة يرمي الأعداء بالسهام، حتى أنّهم إذا أرادوا الرجوع إلى سملة فرَّ يهرب بسرعة لدرجة أن لا أحد يستطيع أن يدركه أو أن يلحق به، وإذا عاد الأعداء عاد وراءهم بسرعة أيضاً، وأخذ يستمر برميهم بالسهام التي معه، وكان يصعد على الجبل والأعداء يسقون ما معهم من إبل، فيأخذ يرميهم بالحجارة حتى وجدوا منه شدةً ومنعةً، حتى جعل الخوف عظيم في قلوبهم، بسبب ما يفعل بهم ذلك الصحابي الشجاع ، لدرجة أنّ الأعداء خففوا ممّا يملكون من الغنائم التي سرقوها، فألقوا ثلاثين رمحًا، وأيضاً ألقوا ثلاثين بردة، ووصل بهم الأمر إلى الهروب.

وبعد أن ظنّ الأعداء أنّهم قد نجوا من ذلك الصحابي الشجاع، عندها جلسوا حتى يستريحوا، وكانوا في وقت الضحى، عندها طلع عليهم الصحابي سلمة بن الأكوع من رأس ذلك جبل مرددًا ما قال من قبل:
أنا ابن الأكوع *** واليوم يوم الرُّضع

وعندما رأوه صابهم خوف كبير منه، فقام إليه أحد الرجال وقال: ( أي سلمة)، فقال لهم الصحابي القوي سلمة بن الأكوع: (هل تعرفون من أنا، أنا ابن الأكوع)، وحلف سلمة حينها وقال: (والذي كرّم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني) ويقصد (إن لحقت برجل منكم فإنَّني سأصله، وإن لحقني رجل منكم فلن يصل إلي)، فوصل بهم الحال إلى أن خافوا من سلمة ورجعوا عنه.

وبعد أن سمع أهل المدينة ما قاله سلمة بن الأكوع، عندها سمع النبي صلى الله عليه وسلم صراخ سلمة وما قال، حينها ترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى النبي ثمانية فرسان، وكان من الفرسان المقداد والأخرم وأبو قتادة، وكان سيدنا محمد قد أمر عليهم الصحابي سعد بن زيد، وطلب منهم أن يقوموا باللحاق بالأعداء، على أن يلحق بهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع باقي الفرسان، فانطلق الفرسان وكان بين الفرسان أبو عياش فقال له النبي: (يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلاً هو أفرس منك فلحق بالقوم) فقال أبو عياش للنبي: (يا رسول الله أنا أفرس الناس)، حينها ضرب أبو عياش الفرس ليحركها، فعندما جرى بها بمقدار خمسين ذراعًا قامت بطرحه.

فأسرع الفرسان بالخروج حتى يلحقوا ويدركوا الصحابي سلمة بن الأكوع، وكان سلمة يرمي الأعداء بالنبال، فكان أول من وصل من الفرسان هو الأخرم، وكان اسمه (محرز بن نضلة) ولحق به في نفس تلك الأوقات أبو قتادة (فارس الرسول)، عندها أخذ الصحابي سلمة بن الأكوع بفرس محرز بن نضلة، وحذر سلمة محرز من القوم وطلب منه الانتظار حتى يلحق به بقية الناس، فقال أخرم حينها لسلمة: (يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أنّ الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة)، وبعد ذلك قُتِلَ الأخرم فمات وقتله أحد الأعداء، وكان الأخرم قبل أن يقتل بيوم قد رأى في منامه أنّ السماء قد انفتحت حتى السماء السابعة، وقيل للأخرم أنّ هذه منزلتك، فقصها الأخرم على الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، وكان أبو بكر الصديق من أعبر الناس للرؤيا، فأخبره أنّه سيموت شهيدًا، لذلك قال ما قال للصحابي سلمة.

عندها لحق فارس النبي أبو قتادة بالعدو الذي قتل الأخرم وقام بقتله، ولحق الفرسان المسلمون بالأعداء، فقام الصحابي الجليل عكاشة بن محصن بقتل أوبار ومعه ولده عمر بضربة رمح واحدة، حيث كانا على فرس واحد، وتلاحق الفرسان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو قتادة منطلقاً في مقدمة الفرسان، فالتقى أبو قتادة مع أحد الأعداء وكان اسمه مسعدة الفزاري وجرى بينهما حوار، إلى أن قتله أبو قتادة بيديه، وبعد ذلك وضع عليه برده، حتى يعلم الناس أن مسعدة قتيله.

فحينما تلاحق الفرسان مع النبي ورأوه ظنوا أنّ المقتول هو أبو قتادة، ولكنّ النبي عليه السلام أنكر ذلك وقال رسولنا الكريم: (ليس بأبي قتادة ولكنّه قتيل لأبي قتادة ووضع عليه برده لتعرفوا أنّه صاحبه)، وتكامل الناس مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واستقروا في منطقة ذي قرد، ومكثوا في ذي قرد ما يقارب يومًا وليلة ثمّ رجعوا إلى المدينة.

وجاء الصحابي سلمة بن الأكوع إلى النبي، وقال للنبي: (يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنفذت بقية السّرح وأخذت بأعناق القوم)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ملكت فأسجح، إنّهم الآن ليغبقون في غطفان)، (ومعنى يغبقون أي يعيشون)، وعاد رسولنا الكريم مع القوم، وقد قال في هذه الغزوة وسام تكريم وكلام رائع لبطلي معركة الغابة، فقال النبي:(خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة)، حيث أعطى النبي الصحابي سلمة بن الأكوع سهم الفارس والراجل جميعًا، وأردفه النبي عليه السلام خلفه على بعيره عند الدخول إلى المدينة المنورة.

وجرت أحداث غزوة الغابة ( غزوة ذي قرد) في شهر ربيع الآخر من السنة السادسة للهجرة النبوية الشريفة، وقيل أنّ الغزوة كانت قبل موقعة غزوة خيبر بنحو ثلاثة أيام، وأيضاً بعد موقعة الحديبية بحوالي عشرين يوماً، وقد جرت هذه الغزوة في طريق الشام في مكان اسمه (ذي قرد) وهذا المكان قريب من قبيلة بني غطفان.


شارك المقالة: