فصل الأطراف وما في حكمها أو إذهاب منافعها

اقرأ في هذا المقال


فصل الأطراف وما في حكمها أو إذهاب منافعها:

إن الجريمة التي يترتب عليها فصل جارحةٍ من الجوارح أو إذهاب منفعتها مع بقاء صورتها قد تكون عمديةً، وقد لا تكون عمدية. وقد حصل الخلاف بين الفقهاء في إثبات شبه العمد في هذا المجال، وعلى ذلك سنتحدث عن لمحةٍ بسيطةٍ عن القتل شبه العمد في هذا النوع من الجرائم واختلاف الفقهاء في هذا الأمر، ثم سنبين أهم الحالات التي يختلف فيها شروط القصاص، الذي يؤدي إلى سقوطه، ثم بعد ذلك، سنتكلم عن حكم العمد الذي لا قصاص فيه وحكم الخطأ في هذه الجرائم. وسنتحدث الآن عن الاختلاف في وجود شبه العمد.

الاختلاف في وجود شبه العمد:

لقد اختلف الفقهاء في شبه العمد في جنايات فصل الأطراف، وإذهاب منافعها، فهناك فريقٌ يُثبته، وفريقٌ يُنفيه. فإذا كان الجرح الناشئ عن الجناية متلفاً لجارحةٍ من جوارح المجني عليه، سواء أكان هذا الإتلاف بالإتيان عليها أم بإذهاب منافعها، فلا اختلاف بين الفقهاء في أن الجريمة تكونُ عمدية إن قصد الجاني ضرب المجني عليه في حالة الغضب، بما يُجرح غالباً. ولكن الخلاف قد حصل في حالة حصول الضرب بما لا يجرح غالباً، كاللطمة أو السوط أو ما شابه ذلك، وفيما إذا كان قصد الجاني المزاج أو اللعب أو كان قصده التأديب، ومن الأمثلة على ذلك الأمر أن يلطمهُ لطمةً فيفقأ عينه.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى إثباتُ شبه العمد في مثل هذه الحالات، ويترتب على ذلك امتناع القصاص، ووجوب الديةُ مغلظةً. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أن شبه العمد لا يتأتى في جرائم الاعتداء على ما دون النفس، ولكنه يكون في جرائم الاعتداء على النفس فقط.

العمد الذي لا قصاص فيه:

لقد علمنا أن الجناية على ما دون النفس إذا كانت عامدةً متعمدة، فإن القود يجب فيها، وعلى ذلك الأساس إن اعتدى الجاني على المجني عليه اعتداءً عمديّاً فأحدث به ما نشأ عنه فصل عضوٍ من الأعضاء أو جارحة من الجوارح، أو ترتب على ذلك فقدْ منفعته مع بقائه صورة، فإن الجاني يجب أن يؤخذ بالقصاص فيفعل به مثل ما أحدث بالمجني عليه. ولكن القصاص له شروط لا بد من توافرها حتى يقتص من الجاني، فإذا نقص شرط من هذه الشروط سقط القصاص، ومن أهم هذه الشروط انتفاء المماثلة، وإمكان استيفاء المثل.

الأرش:

وقد يطلقُ الأرشُ على الدية  التي هي بدل النفس. فإن الدية التي هي بدل النفس إِنما تجب إِذا امتنع القصاص لسبب من الأسباب، مثل القتل الخطأ، كما تجب الدية كاملة بإِزالة جنس المنفعة: كإِتلاف اليدين أو الرجلين أو العينين، أو السمع إِتلافاً كاملاً مثلاً. والدية الكاملة مئة من الإِبل. وتقسم إلى نوعين: أرش مقدر، وأرش غير مقدر.

الأرش المقدر:
هو ما حدد الشارع له مقداراً معيناًَ، كأرش العين واليد والرجل، ففيه نصف الدية. وقد يكون الأرش ربع الدية كما في الجفن الواحد، وقد يكون الأرش عشر الدية كما في قطع إِصبع من أصابع اليد أو الرجل، وقد يكون نصف عشر الدية أي خمس من الإِبل كما في السن.
الأرش غير المقدر: هو ما لم يحدد الشارع له مقداراً معيناً، فلم يرد فيه نص وترك أمر تقديره للقاضي بمعرفة ذوي الخبرة العدول. ويسمّى هذا النوع من الأرش حكومة عدل.

حالات وجوب الأرش:

 إن الحالات التي توجب فيها الأرش، هي نوعان، أعضاءٌ وجروح. والجروح تأتي أيضاً نوعان، شجاج في الرأس والوجه، وجروح فيما سواهما من البدن.
أرش الأعضاء: وتجب الدية كاملة لدى تفويت مصلحة على الكمال كإِتلاف اليدين أو العينين أو الأذنين. أما الأرش فيجب بتفويت بعض المصلحة من دون بعضها الآخر، كإِتلاف يد واحدة أو أذن أو عين أو إِصبع، فيجب في اليد أو العين أو الأذن نصف الدية، أما الإِصبع فعشر الدية، وهكذا. وما كان من الأصابع فيه ثلاث مفاصل ففي كل مفصل ثلث أرش الإِصبع، وما كان فيه مفصلان ففي كل واحد منهما نصف الأرش، وفي كل سن خمس من الإِبل. أرش الشجاج :ويكون الشجاج في الرأس والوجه وهي تقسم إلى أنواع كثيرة وسنذكر منها ما يلي:
1 – الخارصة: وهي التي تشقُ الجلد ولا يظهرُ منها الدم.
2 – الدامعةُ: هي التي يظهر منها الدم ولا يسيل كالدمع في العين.
3 – الدامية: هي التي يسيل منها الدم.
4 – الباضعة: هي التي تبضع اللحم أي تقطعه.
5 – المتلاحمة: وهي التي تذهب في اللحم أكثر ممّا تذهب الباضعة، والتي لم تلمس العظم.
أرش الجُروح: وهي الجروح التي تكون فيما سوى الرأس والوجه وهي نوعان: جائفة وغير جائفة. فإِذا تعذر تنفيذ القصاص في الجراح لعدم إِمكان تحقيق المماثلة وجب حينئذ الأرش. والجراحات غير الجائفة هي الجراحات التي لا تصل إِلى جوف، والواجب فيها حكومة عدل.
أما الجراحات الجائفة فهي التي تصل إِلى الجوف من البطن أو الصدر مثلاً فالواجب فيها ثلث الدية لقوله لما روي رسول الله صلى الله عليه وسلم”في الجائفة ثلث الدية”.  وإِن خرق الجرح الجوف من جانب فخرج من جانب آخر فالواجب جائفتان.


شارك المقالة: