اقرأ في هذا المقال
- المطلب الأول قطع سرة المولود والبشارة والتهنئة به عند الولادة
- المطلب الثاني الأذان
- المطلب الثالث تحنيك المولود
- المطلب الرابع الرقية الشرعية للمولود والدعاء له
- المطلب الخامس الحب والملاعبة والملاطفة والسرور وعدم التفرقة بينهما
- المطلب السادس النسب
- المطلب السابع إرضاع المولود
- المطلب الثامن الحقوق المالية
- المطلب التاسع حق الطفل في الحياة
- المطلب العاشر إجراء الفحوصات الطبية
يعدُّ بناء شخصية الطفل المسلم هدفاً أساسياً من أهداف رسالة الإسلام؛ لأن الأبناء رعية استرعاهم الله آباءَهم، ومربيهم وأسرهم ومجتمعهم وهؤلاء جميعاً، مسؤولون عن هذه الرعية، ومحاسَبون على التفريط فيها، كما أنهم مأجورون إن هم أحسنوا إليهم واتقوا الله فيهم، وقد أولى العالم اليوم اهتمامه بالطفولة، وذلك لأهميتها البالغة، كما أنشئت للعناية بها مراكز للبحوث والتربية، وتتعددت الأحكام التي تتناول المولود فمنها ما يكون له مباشرة بعد ولادته، ومنها ما يكون بعد زمن من ولادته، وسأبدأ بالأحكام التي تكون مباشرة، وتتمثل في عدة مطالب.
المطلب الأول: قطع سرة المولود والبشارة والتهنئة به عند الولادة
الفرع الأول:
وأول عمل يجب القيام به تجاه الزائر الجديد بعد ولادته ربط سُرَّته محافظة على حياته، وذهب الشافعية إلى أن المخاطب هو الوليّ إن حضر الولادة وإلا فمن تولى الإشراف على الولادة كالقابلة والطبيب؛ لأنه واجب فوري لا يقبل التأخير، فإن فرط فلم يُحكم القطع أو الربط فأدى إلى وفاته؛ أي وجب عليه الدية وتكون على العاقلة، والقول قول مدعي الربط وإحكامه؛ لأن الأصل عدم الضمان.
الفرع الثاني:
ثم يأتي التبشير بالرزق العظيم، والخير الكثير المبارك، بقدوم الزائر بالسلامة، فالتبشير بمولود جديد يشرح الصدر ويريح النفس ويجعل المسلم يشعر مع أخيه المسلم، وهناك أدلة شرعية على ذلك منها قوله تعالى: “يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا”، والمولود هبة الله، ونعمته على عباده.
أما طريقة التبشير فهذا يختلف باختلاف الأعراف والأزمان، فكان سابقاً يتم من خلال الذهاب إلى والد المولود وتبشيره، للحصول على مكافأة، أما في وقتنا الحالي فيمكن التبشير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة أكبر وجهد أقل، وترى الباحثة في هذا المقال أن التبشير إذا كان بوسائل التواصل الاجتماعي أن يكون على الخاص ولا يكون على العام حتى لا نُعرّض المولود وأهله للحسد والعين وغيرها فليس الناس كلهم سواء.
ويبشر المرء بقدوم مولوده؛ لأن ولادة مولود جديد تعني البشارة من المولى سبحانه وتعالى للوالدين أن عملهما لا ينقطع وإن ماتا؛ لأن ولدهما من سعيهما وآثارهما، فإن كان صالحاً فنعمة على نعمة، فما فعل من خير حصل الثواب لوالديه من غير أن ينقص من أجره شيء، وما فعل من الأعمال غير الصالحة فلا يصل إليهما منه شيء ثم كذلك في ولد الولد إلى منتهى انقراضهم، وهذا خير عظيم ونعمة شاملة يتعين الشكر عليها.
الفرع الثالث:
ثم تأتي التهنئة وتكون بأن يقول المسلم لأخيه: “بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ رشده، ورزقت بره”، ويقول المُهنأ في الرد عليه: “بارك الله لك، وبارك عليك، وجزاك الله خيراً، ورزقك الله مثله، أجزل الله ثوابك ونحو هذا”.
والفرق بين البشارة والتهنئة: يقول ابن القيم: “ولما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه استحب أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه، فإن فاتته البشارة استحب له التهنئة، وثمة فرق آخر بين البشارة والتهنئة أن البشارة: إعلام له بما يسره، والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به.
وفقه التهنئة أن الرجل إذا قبل التهنئة بالمولود فيكون إقراراً منه أن الولد منه ونسبه إليه، ويسقط حق الزوج الملاعن في نفي نسب المولود إليه عند الشافعية والحنفية.
المطلب الثاني: الأذان
أما الأذان فيسن التأذين في أذني المولود عند ولادته مباشرةً، ليكون أول ما يطرق سمعه ذكر الله تبارك وتعالى، فعن أبي رافع رضي الله عنه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن بن علي، حين ولدته فاطمة، بالصلاة”وفعل النبي عليه الصلاة والسلام دال على سنية الأذان في أذن المولود عند ولاته وهناك أحاديث ذكرت استحباب الأذان في الأذن اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى، أخرج ابن السني من حديث الحسين بن علي – رضي الله عنهما – مرفوعاً بلفظ “من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان، وأم الصبيان هي التابعة من الجن“.
الفائدة من الأذان في أُذني المولود؛ هي تلقينه شعار الإسلام عند دخوله الدنيا، كما يُلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وفيه فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وأن تكون دعوته إلى الله وإلى دين الإسلام وعبادته، سابقة على دعوة الشيطان.
المطلب الثالث: تحنيك المولود
شرع الإسلام استحباب تحنيك المولود عقب الولادة، ويقصد بالتحنيك مضغ التمر، (وفي زماننا يمكن استخدام أجهزة الخلط الكهربائية الحديثة) حتى يصبح مائعاً ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء في جوفه، أو دلك حنك المولود بها، وذلك بوضع جزء من الممضوغ على الأصبع وإدخال الأصبع في فم المولود، ثم تحريكه يميناً وشمالاً بحركة لطيفة، حتى يبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة، وإن لم يتيسر التمر فليكن بأية مادة حلوة كالمعقود أو ذائب السكر الممزوج بماء الزهر تطبيقاً للسنة، واقتداءً بفعله عليه الصلاة والسلام.
وحكمة التحنيك هي تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك والفكين بالتلمظ حتى يتهيأ الطفل للرضاعة بشكل قوي، ويفضل أن يكون المحنِّك له رجلاً من أهل الخير والصلاح ممن يتبرك به أو من أحد والديه، فإن لم يكن رجلاً فامرأة صالحة.
فقد جاء في حديث أبي بردة عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: “ولد لي غلام، فأتيت به النبي عليه السلام، فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إلي، وكان أكبر ولد أبي موسى”.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: “كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة قال: ما فعل ابني، قالت أم سلمة: هو أسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت: وار الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره فقال: اعرستم الليلة قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما فولدت غلاماً، قال أبو طلحة أحفظه حتى آتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم تمرات، فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في فم الصبي وحنكه وسماه عبد الله” فدلت هذه الأحاديث بمجموعها على استحباب تحنيك المولود عند ولادته.
المطلب الرابع: الرقية الشرعية للمولود والدعاء له
ومن حق الطفل علينا بعد ولادته، أن نقوم بالدعاء له، وقراءة الرقية الشرعية لحمايته وحفظه من شر الإنس والجن فعن ابن عباس قال: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعوّذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”.
وعن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم “أنه كان يأخذه والحسن ويقول اللهم إنّي أحبُّهما فأحبهما”.
ثم الرقية الشرعية تكون بقراءة الآتي من آيات الذكر الحكيم: الفاتحة، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل معكم من دواء، أو راق فقالوا إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ فأتوا بالشاء فقالوا لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك وقال وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي بسهم”.
والمعوذتان عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما، سورة البقرة “عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال “لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة “، آية الكرسي، نهاية سورة البقرة من آية (285…. إلى آخر السورة)، عن أبي مسعود البدري، رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه “.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك شيطان”.
ويقول عليه الصلاة والسلام: “إذا تغوّلت الغيلان فنادوا بالأذان” والغيلان طائفة من الجن والشياطين وهم سحرتهم ومعنى تغولت تلونت، والشياطين إذا سمعت الأذان أدبرت، أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى.
المطلب الخامس: الحب والملاعبة والملاطفة والسرور وعدم التفرقة بينهما
الفرع الأول: الحب
من المشاعر التي أودعها الله في قلب الأبوين تجاه أولادهم هو الشعور بالرحمة والرأفة بهم، والعطف عليهم، وهو شعور كريم في تربية الأولاد، وتنشئتهم نشأة صالحة، وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: “من لا يرحم لا يرحم”، وفي جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- للأقرع إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل المحارم وغيرهم من الأجانب جائز، وإنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة، وكذا الضم والشم والمعانقة.
وعن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أنّ رسول الله قال للحسن: “اللّهمَّ إني أحبه فأحبه وأحب من أحبه، اللّهمَّ فاشهد أني أحب الحسن وأخاه الحسين”، قال أبو هريرة: فما كان أحد أحب إليّ من الحسن بن علي بعد ما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما قال، وفي هذا دليل على إشعار الطفل بحب أهله له وإظهاره أمام الآخرين.
وعن أبي بكرة – رضي الله عنه – قال: بينما رسول الله عليه السلام يخطب أصحابه، إذ جاءه الحسن بن علي، فصعد المنبر، فضمه إليه الرسول عليه السلام وقال: “إنّ ابني هذا سيد، وإن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين”.
الفرع الثاني: الفرح والسرور وعدم التفريق بينهما
على الوالدين أن تكون حفاوتهما ظاهرة على ما أنعم الله تبارك وتعالى من الولد – ذكراً أو أنثى– وذلك أن الولد يطلق على الذكر والأنثى، في اللغة العربية، فلا يفعل فعل الجاهلية، فقد كانوا يسيئون إلى المرأة ويهينونها ولا يعطونها ما تستحق ويدفنونها حية؛ خشية الفقر والعار، جاء في القرآن: “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ”، ويستاؤون من ولادتها والدليل قوله تعالى “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ”.
بينما حث الإسلام الوالدين أن يكون سرورهما بالبنت كالسرور بالإبن، وأن يعربا عن سرورهما بإشراقة الوجه وابتسامته للمولودة، فإنها هبة من الله تعالى، وما دام الأبناء والبنات أولاد الأبوين، فهذا يقتضي مساواتهما في المنزلة عند الوالدين، وعدم التفريق بينهما في المعاملة، فإن التزم الوالد بهذه المساواة كان جزاؤه الجنة، بل الإسلام جعل الأجر والثواب في تربية الأنثى أكبر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو” وضم أصابعه”.
الفرع الثالث: الملاعبة والملاطفة والرفق بهما
الملاعبة والملاطفة من الأمور المهمة التي يحتاجها الطفل في هذا العمر لما له من أثار نفسية عليه كما يشير إلى ذلك علماء النفس والأطباء في هذا العصر، و يظن البعض أن الملاعبة والملاطفة تكون بعد الشهر الأول، وترى الباحثة أنها تكون منذ الأيام الأولى؛ بحيث يتم حمل الطفل ووضعه في الحضن ليشعر بحنان والديه، والتبسم في وجهه من وقت لآخر، والتكلم معه فقد أثبتت الدراسات الصحية أنّ الطفل يستجيب للصوت في المراحل الأخيرة من الحمل وعند الولادة يستجيب للصوت المفاجئ والطويل، وأنه يستطيع الرؤية عن بعد ستة أمتار فيلاحظ الأشياء ويتتبع ما كان أفقياً.
ويفضل مشاهدة الوجوه فهذا الذي وصلت إليه الدراسات العالمية، وما لم تصل إليه أعظم، ممّا يكون له آثاره النفسية على الطفل، واسماعه بعض الأصوات من مثل (غاغا، دادا) فهذه الخطوات الأولى في تعليمه نطق الكلمات والجمل في المستقبل.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر، ثم يضمهما ثم يقول: “اللهم ارحمهما فإني أحبهم”.
عن أبي قتادة قال: “خرج علينا النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمامة بنت العاص على عاتقه فصلّى فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها” وهذا من شفقته لأمامة أنه كان إذا ركع أو سجد يخشى عليها أن تسقط فيضعها على الأرض وكأنها كانت لتعلّقها به لا تصبر في الأرض فتجزع من مفارقته فيحتاج أن يحملها إذا قام.
وفقه هذا الحديث يكمن في الأمور التالية:
- أنَّ فيه الرحمة بالأطفال وفيه تعليم التواضع ومكارم الأخلاق وفيه أن مس الصغير لا ينقض الوضوء.
- حمل الطفل أثناء الصلاة، وللعلماء فيه عدة أقوال:
القول الأول: الجواز وذهب إليه الحنفية والحنابلة، وقد سئل الإمام الشيباني من الحنفية عن ذلك فقيل له: أرأيت المرأة تصلي ومعها صبيها تحمله قال قد أساءت في حمل الصبي وينبغي لها أن تضع صبيها ثم تصلي قلت فإن لم تضع صبيها وصلت قال صلاتها تامة، ونص الكاساني على أن حمله دون إرضاعه في الصلاة لا يفسد الصلاة، وذهب فريق آخر من الحنفية إلى كراهة ذلك؛ لأنه يشغله عن الصلاة، وقال الشافعية بالجواز شريطة أن لا يكون فيه انشغال عن الصلاة، أو كثرة حركة فالقليل من الحركة لا يضر.
وترتب عليه أنه إذا حمل الشخص الطفل وفيه حفاظة وفيها شيء من النجاسة، فإن كانت ظاهرة، ويمكن أن تؤثر، فلا يجوز له أن يحملها، أما إن كانت النجاسة غير ظاهرة ولا علم له بها فلا تؤثر، والطواف من جنس الصلاة، أما الطواف بالنسبة للطفل نفسه فلا يصح؛ لأنه يشترط فيه الطهارة، وفيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهما على طهارة ما لم يعلم النجاسة؛ لأن الأصل الطهارة.
القول الثاني: عدم الجواز، وذهب إليه الملطي من الحنفية، ونقل فيه إجماعاً، وقد اعتبرها من أشياء التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته لا يصلح للناس فعلها في صلاتهم.
القول الثالث: جوازه عند الضرورة وذهب إليه المالكية؛ استناداً إلى الحكم الشرعي في إبطال الصلاة بكثرة الحركة فيها فحمل الصبي يؤدي إلى حركات زيادة في الصلاة.
والراجح ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثالث لحديث أبي قتادة الدال على الجواز، وقصره على الضرورة لما فيه من رفع الحرج والمشقة خاصة على الأم، وجمعاً بين الأدلة.
وممّا يؤيده تخفيف النبي- عليه السلام- من صلاة الجماعة إذا سمع بكاء طفل “فكانت صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – طويلة، ولا سيما النوافل منها؛ إذ كانت تتجاوز طاقة الصحابة، ولكنه عندما يقف للصلاة يريد إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلاته ويتَجوَّز فيها؛ ذلك لأن النساء كن يقفن للصلاة خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أي يشتركن في أداء صلاة الجماعة خلفه، فخوفاً من أن تكون أم ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلاته، ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الأم”.
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم: “إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه”.
المطلب السادس: النسب
يشير مفهوم حق الطفل في النسب إلى حقه في أن يكون له أب وأم معروفان وأن ينتمي وينسب إلى أسرة، وهو من أهم الحقوق التي أقرّتها الشريعة الإسلامية وجعلتها من حقوقه، وحق النسب من الحقوق الأصلية التي يتفرّع عنها جملة حقوق أخرى للطفل، ومنها حقه أن يتربى في أسرة تقوم بواجب إرضاعه وحفظه عمّا يضره وإثبات كافة حقوقه في الإرث وغيره؛ لذا فولد كل زوجة في النكاح الصحيح ينسب إلى زوجها بالشرطين التاليين:
- أن يمضي على عقد الزواج أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر.
- ألّا يثبت عدم التلاقي بين الزوجين بصورة محسوسة، كما لو كان أحد الزوجين سجيناً أو غائباً في بلد بعيد أكثر من مدة الحمل. فبناء عليه فإنه:
- إذا انتفى أحد هذين الشرطين لا يثبت نسب الولد من الزوج إلا إذا أقر به أو ادعاه.
- إذا توافر هذان الشرطان لا ينفى نسب المولود عن الزوج إلا باللعان.
فقد أثبت الإسلام حق النسب للمولود إلى أبيه إذا جاء هذا المولود من زواج شرعي، ونسبه إلى أمه إذا جاء المولود من سفاح أو اغتصاب.
وترى الباحثة أن هذا الحق من الحقوق التي تفرد بها الإسلام ولم يثبتها إلى الآن هذا العالم المتحضر ففي اتفاقية جنيف في الفقرة رقم (1) من المادة (7)” يسجل الطفل بعد ولادته فورًا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهم”فقد أعطت هذه المادة للطفل الحق في أن يكون له اسم وجنسية، أما معرفة والديه فجعلته أقل درجة في الأهمية ولذا جعلته قدر الإمكان، ولم تجعله واجبًا من الواجبات؛ فلا فرق في هذا العالم كون المولود من زواج شرعي أو غير شرعي.
المطلب السابع: إرضاع المولود
الرضاعة حق واجب للطفل بمجرد ولادته حتى ينمو جسمه، ويتغذى بالغذاء الطبيعي، وهو لبن أمه، الذي يجريه الله في ثدييها غذاء لوليدها، والرضاعة من الأم هي الأفضل؛ حيث يؤكد هذا جميع أطباء الأطفال، إذ ذهبوا إلى أن الرضاعة من حليب الأم هي التغذية المثالية للطفل المولود حديثاً، قال تعالى”وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ” فالطفل الذي يرضع من ثدي أمه أكثر اطمئنانا وثقة وسعادة، وعند كبره يكون أكثر عطاء ومؤالفة وائتلافاً.
المطلب الثامن: الحقوق المالية
الفرع الأول: النفقة
والنفقة في مال أبيه، واعتبر الإسلام إعالة الأهل والأطفال بالمعروف من أفضل القربات إلى الله، والتفريط في ذلك منقصة في الدين والخلق الكريم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك”.
ومن كان له أب من أهل الإنفاق، لم تجب نفقته على سواه، عن عائشة قالت:” دخلت هند بنت عتبة، امرأة أبى سفيان، على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفى بني، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك”.
ويدخل في النفقة، الإنفاق على رضاعته سواء أكانت المرضعة الأم أم غيرها، وإن طلقت المرأة لم تجبر على إرضاع طفلها، بل يؤمر الأب بالاسترضاع لولده وإن أرضعته أمه فلها الأجر على ذلك، لكن يجب على أمه أن تقوم بإرضاعه، إذا تعينت لذلك، بأن لم توجد امرأة غيرها تتولى ذلك، أو كان الولد لا يقبل غير ثديها، أو لم يكن للأب ولا للولد مال تستأجر به مرضعه، ولم توجد من تتبرع بإرضاعه مجاناً، والقضاء يجبرها في هذه الحالات إذا امتنعت محافظة على حياة الصغير ونموّه النمو الطبيعي، وإذا كان في جبرها إضرار بها، فإن هذا الضرر يكون ضرراً ضئيلاً بالنسبة للضرر الذي يقع على الصغير في هذه الحالة إذا تركت وشأنها فلم ترضعه.
الفرع الثاني: التملك
ويبلغ الإسلام الذروة بتكريم الطفل حين يولد مخلوقاً تامًا سويًا له حق التملك والوراثة، ولا يجوز لأحد أن يمس حقاً من حقوقه بعد أن صانتها شريعة الله العليم الخبير، ويصبح إنساناً مكرماً كالإنسان الكبير لا مسؤول عنه إلّا أبواه بعد الله تعالى، وله أن يتملك المال إذا تحققت أسبابه خاصة في العقود التي لا تتوقف على القبول كالوصية والهبة والوقف والميراث وغيرها، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي-عليه الصلاة والسلام- قال: “الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل “.
فهذا الحديث بين أن الطفل إذا ولد حيّاً وتعرف الحياة بعلاماتها كالبكاء والحركة، فله الحق في أن يرث من قريبة الذي مات، وإذا كان له مال ثم مات بعد استهلاله فماله يورث لأقربائه.
الفرع الثالث: إخراج زكاة الفطر عن المولود
ومن الحقوق التي تجب للمولود على والديه، إخراج صدقة فطره، فقد اتفق الفقهاء على أن المسلم الذي يولد قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان تخرج عنه زكاة الفطر، أما من ولد بعد غروب شمس ذلك اليوم، فلا تجب عليه زكاة الفطر.
المطلب التاسع: حق الطفل في الحياة
وهذه من أهم الحقوق التي يجب المحافظة عليها، فلا يجوز قتل الأطفال سواء أكان بسبب العار، أو خشية الفقر فالله هو الرازق، ودليله قوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا”جاءت هذه الآية رداً على من كان من العرب يقتل بناته خشية الفقر لئلا يحتاج إلى النفقة عليهن وكان ذلك مستفيضاً شائعاً فيهم.
وقوله “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ” وهي البنتُ التي تْدْفَنُ حيةً من الواد، وهو الثِّقَلُ؛ لأنَّها تُثْقَلُ بالترابِ وإذا الموءودة سألت قتلتها ووائديها، بأيّ ذنب قتلوها؟.
عن ابن عباس” كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وحان أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاما حبسته”.
ومنه، حديث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: “أعظم الذنوب أن تجعل لله نداَ وهو خلقك وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك وأن تزني بحليلة جارك”، فنهاهم الله عن ذلك مع ذكر السبب الذي كانوا من أجله يقتلونهم وأخبر أنه رازقهم ورازق أولادهم.
وترى الباحثة أن الإسلام عندما حرم قتل المولود بعد ولادته – ذكراً كان أو أنثى- وكان قد حرمه قبل ولادته بتحريم الإجهاض؛ لأي سبب كان؛ فقد ضمن للمولود حقه في الحياة؛ لأن هذا المولود لا ذنب له في مجيئه إلى هذه الحياة الدنيا لأبوين فقيرين أو غنيين، ذكرا أو أنثى.
المطلب العاشر: إجراء الفحوصات الطبية
هناك اجراءات طبية تتعلق بصحة المولود ويكون القيام بها في الأيام الأولى من ولادته، وتأخذ حكم الواجب في بعضها والمندوب في بعضها الآخر من الناحية الشرعية لقوله تعالى“وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”، ولم يتعرض الفقهاء السابقين لها بالتفصيل الدقيق على اعتبار أن الحضانة تشمل مداواة الطفل إذا أصيب بالمرض؛ ولكن الطب الحديث أثبت وجوب عدة فحوصات للمولود عند ولادته؛ لأنها تقيه الوقوع في أمراض خطيرة في مستقبل الأيام، أو أنها تشير إلى حالات مرضية يمكن معالجتها، فورًا وفي الوقت المناسب قبل أن يصبح مرضًا مزمنًا ومن هذه الإجراءات:
- إجراءات إرشادية:
– بإعطاء الوالدين كتيبات إرشادية تبين مراحل نمو الطفل ونموه الطبيعي؛ بحيث لو رأوا خلافها راجعوا الطبيب فورا.
– إعطاء برامج طبية للعائلات التي تكون عرضة للإصابة بامراض معينة مثل صعوبات التعلم وغيرها، فيكون دور الأهل الكشف المبكر لمثل هذه الأمراض عند أبنائهم. - ما يقوم به الأطباء من فحوصات.
- ما يقوم به الأهل لوحدهم من فحوصات وتسمى: منعكس الدوران (RootingReflex)، منعكس مورو (Moro Reflex)، منعكس القبضة (Grasp reflex). بالإضافة إلى منعكس قبضة اليد، منعكس باطن القدم (Plantar Grasp) ومنعكس تماسك الرقبة (Tonic Nick Reflex).