قبض المهر:
قبض المهر: هو حقٌ خالص للزوجة حدده الشرع من أجل الحفاظ على حقها في الزواج تأخذه هي أو وليّها، فلها أن تمنع نفسها حتى تقبض مهرها المعجل كله، على الخلاف ونفصل ذلك في بعض أراء المذاهب:
قال الحنفية: يحق للزوجة قبل الدخول، أن تمنع الزوج من الدخول أو الانتقال إلى بيته؛ حتى يدفع جميع المهر المعجل، كونه تزوجها على صداقٍ عاجل، أو كان ساكتاًعن التعجيل والتأجيل؛ لأنَّ حكم المسكوت حكم المعجل، ثم تسلم نفسها إلى زوجها، وإن كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها؛ لأنَّ المهر عِوضٌ عن بُضْعها، كالثمن
فهو عوض عن المبيع، وللبائع حقُ حبس المبيع لاستيفاء الثمن، فيحقُ للمرأة حبس نفسها لاستيفاء المهر.
وإن استوفت معجل المهر بتمامه سقط حقها في منع نفسها عنه.
أمَّا إذا دخل الزوج بها أو خلا بها، برضاها، وهي مكلفة “أي بالغة عاقلة”. فلها أيضاً في رأي أبي حنيفة أن تمنع نفسها من الاستمتاع بها حتى تأخذ المهر، ولها أن تمنعه أن يخرجها من بلدها؛ لأنَّ المهر مقابل بجميع ما يستوفى
من منافع البُضْع في جميع أنواع الاستمتاع التي توجد في هذا الملك.
ويكون رضاها بالدخول أو بالخلوة قبل قبض معجل مهرها إسقاطاً لحقها في منع نفسها في الماضي، وليس لحقها
في المستقبل. وهذا هو الراجح عند الحنفية، فللمرأة منع نفسها من الوطء ودواعيه، ومن السفر بها، ولو بعد وطء وخلوة رضيتهما؛ لأنَّ كل وطأة معقود عليها، فتسليم البعض لا يوجب تسليم الباقي.
رأي الصاحبين:”ليس لها أن تمنع نفسها، لأنَّها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة، سلمت جميع المعقود عليه برضاها، وهي من أهل التسليم، فبَطُل حقها في المنع، كالبائع إذا سلم المبيع، فرضاها بالوطءِ هو إسقاطٌ لحقها في طلب المهر قبل الدخول، فيسقط حقها في الامتناع، فإذا امتنعت كانت ناشزة، فيسقط حقها في النفقة.
ورأي الحنفية:ورأي الحنفية وافق رأي الصاحبين فقالوا:”للمرأة ولو كانت مَعيبة بعيبِ رضي به منع نفسها من الدخول ومن الإختلاء بها ومن السفر مع زوجها قبل الدخول حتى يسلم لها زوجها المهر المعين أو الصداق المعجل، أو المؤجل الذي حل أجل تسليمه. أما إن سلمت نفسها له قبل القبض بعد الوطء أو التمكين منه، فليس لها منع نفسها بعدئذ من وطء ولا سفر معه، سواء أكان موسراً أم معسراً، وإنما لها المطالبة به فقط ورفعه للحاكم كالمدين.
أمَّا الحنابلة والشافعية أيضاً وافقوا رأي الصاحبين” أمَّا الحنابلة فوافقوا في الدخول والخلوة، وأمّا الشافعية فوافقوا في الدخول.
قال الشافعية: للمرأة ولو كانت مفوضة حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحالّ، لا المؤجل، فلو حلَّ الأجل قبل تسليم نفسها للزوج، فلا حبس في الأصح، لوجوب تسليمها نفسها قبل الحلول، فلا يرتفع الوجوب لحلول الحق. ولو بادرت الزوجة فمكنت الزوج من نفسها، طالبته بالمهر؛ لأنَّها بذلت ما في وسعها، فإنَّ لم يطأ، أي ولو خلا بها، جاز لها الامتناع من تمكينه حتى يسلم المهر؛ لأنَّ القبض في النكاح بالوطء دون التسليم. وإن وطئها بتمكينها منه مختارة مكلفة، ولو في الدبر، فلا يحق لها الامتناع، كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع، ليس له استرداده ليحبسه. أمّا إذا وطئت مكرهة أو غير مكلفة لصغر أو جنون فلها الامتناع، لعدم الاعتداد بتسليمها.
وعبارة الحنابلة: للمرأة منع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحالّ كله أو الحالّ منه، ولها المُطالبة بحالّ مهرها ولو لم تصلح للاستمتاع لصغر أو نحوه. فإنْ وطئها الزوج مكرهة قبل دفع الحالّ من صداقها، لم يسقط به حقها من الامتناع، كما قال الشافعية؛ لأنْ وطأها مكرهة كعدمه.وإن كان الصداق مؤجلاً، لم تملك منع نفسها حتى تقبضه؛
لأنَّها لا تملك الطلب به. ولو حلّ المهر قبل الدخول، فليس لها منع نفسها، كما قال الشافعية؛ لأنَّ التسليم قد وجب عليها، فاستقر قبل قبضه، فلم يكن لها أن تمتنع منه.
فنستنتج من ذلك: أنّ الفقهاء اتفقواعلى أحقية المرأة بمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها المعجل، وليس لها الحق بالنسبة للمؤجل. واختلفوا على رأيين في منع نفسها بعد الدخول، فقال أبو حنيفة: لها الحق بالمنع، وقال الجمهور: ليس لها الحق.
قابض المهر:
المرأة الرشيدة هي التي تقبض المهر وتتصرف فيه، لكن أقرت الشريعة عملاً بالعرف والعادة للولي إذا كان أباً أو جداً قبل المهر، ويكون قبضه نافذاً عليها، إلَّا إذا منعته من القبض.
وينفذ على البكر ولو كانت كاملة الأهلية قبض وليها لمهرها إن كان أباً أو جداً عصبياً، ما لم تنه الزوج عن الدفع إليه. فإن كانت المرأة غير رشيدة كالصغيرة والمحجور عليها لسفه أو جنون أو غفلة، فولي مالها يتولى قبض المهر، وولي المال عند الحنفية أحد الستَّة: الأب ثمَّ وصيه، ثمَّ الجد ثمَّ وصيه، ثمَّ القاضي ثمَّ وصيه.
قال المالكية: ولي الزوجة المجبر”وهو الأب ووصيه”: هو الذي يتولَّى قبض المهر، فإن لم يكن لها ولي مُجبر
وكانت رشيدة، فهي التي تتولَّى قبض مهرها، أو يقبضه لها بتوكيل منها. وإن كانت سفيهة تولَّى وليُّ مالها قبض مهرها،
فإن لم يكن لها وليٌّ فالقاضي أو نائبه يقبض مهرها.
والظاهر عند الشافعية والحنابلة: أنَّ المرأة الرشيدة هي التي تقبض مهرها؛ فإن كانت غير رشيدة قبض وليها المهر بالنيابة عنها.